مقالات وتقارير
ما قصة تسمية “تقسيم”؟ وكيف أصبح “استقلال” من أشهر شوارع العالم السياحية؟
يُعَدّ ميدان “تقسيم” أحد أبرز معالم مدينة إسطنبول، إذ يحتوي على أشهر المراكز التجارية ويحظى زائروه بأجواء ممتعة من التسوق والسهر في المقاهي والمطاعم المميزة، بخاصة تلك التي في شارع “استقلال” الشهير.
يعود تاريخ الميدان إلى الانتصار في حرب التحرير والاستقلال وإعلان تأسيس الجمهورية التركية أواخر عام 1923، إذ ظهرت الحاجة إلى وجود ميدان وساحة كبيرة في كبرى مدن البلاد، إسطنبول، من أجل الاحتفال بالأيام والأعياد الوطنية.
عليه وقع الاختيار عام 1925 على ميدان تقسيم الواقع في حي “بيه أوغلو” في القسم الأوروبي للمدينة، وارتأت اللجنة المشرفة إقامة نصب كبير لا فقط يخلّد روح مقاومة ونضال الشعب التركي بقيادة أتاتورك ورفاقه بالسلاح، بل وخطط وطموحات الجمهورية اليافعة في طريقها لأخذ مكانتها في ركب الحضارة.
ومنذ وُضع النّصب الذي أُطلق عليه “نصب الجمهورية” وسط ميدان تقسيم بإسطنبول 8 أغسطس/آب 1928، أصبح رمزاً ومعلماً لمدينة إسطنبول. وحتى يومنا الحالي لا بد لكلّ من يزور إسطنبول سائحاً أن يمرّ بجوار النّصب عدة مرات أو يشاهده على الأقلّ.
أصل التسمية
اشتُق اسم تقسيم الذي يُطلَق على الحيّ والميدان، من “مقسم المياه – Taksim Maksemi”، المنشأة التي بناها السلطان العثماني محمود الأول عام 1731 لتقسيم وتوزيع المياه القادمة من غابة بلغراد إلى شبكة المنطقة، إذ كان يُطلَق على المبنى الذي كانت المياه توزَّع فيه اسم “مقسم”، ومن ثم سُمّي الميدان “تقسيم” في عهد السلطان محمود الأول.
وبعد توقفها عن العمل، تحولت المنشأة التي على هيئة هيكل حجري ذي شكل مخروطي مدبَّب على مدخل شارع الاستقلال والمحاذية لمسجد تقسيم الذي افتُتح العام الماضي، إلى متحف تعود ملكيته إلى بلدية إسطنبول.
أما شارع استقلال المنبثق من ميدان تقسيم فقد غُير اسمه من “الشارع الكبير” إلى “شارع استقلال” خلال السنوات الأولى من عمر الجمهورية التركية، ضمن خطة بلدية إسطنبول آنذاك لإقامة صرح ونصب ضخم يروي حكاية حماسة الجمهورية اليافعة وحرب الاستقلال للأجيال القادمة بلغة أكثر حداثة.
معالم شهيرة على ضفّتَي استقلال
يربط شارع استقلال بين ميدان تقسيم الذي ينتصب على طرفيه مركز أتاتورك الثقافي ومسجد تقسيم، ويتوسطهما نصب الجمهورية الشهير، ومنطقة كاراكوي التاريخية. ويمر الشارع بهضبة بيه أوغلو التي يعتليها برج غلطة البيزنطي الشهير ويخترقها نفق ثاني أقدم مترو في العالم بعد مترو لندن، الذي يربط بين شارع استقلال ومنطقة كاراكوي.
فمع الفتح العثماني لإسطنبول في منتصف القرن الخامس عشر ازداد الاهتمام بمنطقة غلطة وتوسعت العمارة باتجاه ميدان تقسيم، وبدأت معها أعداد السكان المسلمين في المنطقة تزداد. لكن المنطقة وما حولها تحتوي أيضاً على عديد من الكنائس مثل كنيسة القديس أنطوان وكنيسة سانتا ماريا درابيريس، والمباني التاريخية التي تحولت إلى قنصليات لتمثيل بلادها، مثل القنصلية البريطانية والفرنسية والهولندية وغيرها، إلى جانب عديد من المدارس الداخلية، بالإضافة إلى فندق “بيرا” الشهير.
ومع تولّي السلطان عبد العزيز عرش السلطة في بداية القرن التاسع عشر، ازداد الاهتمام بـ”الشارع الكبير” وزُوّد بالخدمات، مثل الكهرباء والمترو والترام التي تجرها الخيول، وتَحوَّل إلى مركز تجاري وثقافي يتجمع فيه المثقفون العثمانيون والنبلاء والشباب المواكبون لأنماط الحياة الأوروبية، لاحتوائه على مقاهٍ على الطراز الأوروبي، بالإضافة إلى محلّ لبيع الملابس والموضة الغربية.
ومع إعلان الجمهورية في عشرينيات القرن العشرين، تَغيَّر اسم الشارع إلى “استقلال” وتغيرت معه تدريجياً ديموغرافية المنطقة، لا سيما مع اتفاقية التبادل السكاني بين تركيا واليونان عام 1923.
شارع استقلال.. قلب تركيا النابض
يعتبر شارع استقلال، الذي يشقّ حي بيه أوغلو بطول 1.5 كيلومتراً، من بين أكثر الشوارع ازدحاماً واستقطاباً للسياح على مستوى العالم، إذ يضمّ على طرفيه عديداً من المقاهي والمحالّ التجارية التي تعرض الماركات العالمية، فضلاً عن المتاحف والفنادق وأماكن الترفيه.
وبجانب الأماكن التاريخية التي تحظى باهتمام الزوار وترام استقلال التاريخي الذي لا يفوّت السياح فرصة ركوبه والتقاط الصور بجانبه، تملؤه أيضاً عروض الشوارع التي تنال إعجاب المارَّة على الدوام.
وكما يجمع بين عبق التاريخ وحداثة الحاضر، يُعتبر شارع استقلال المتحف الذي يجمع المعالم التي خلفتها الحضارات التي توالت على حكم إسطنبول، بدءاً من البيزنطيين مروراً بالعثمانيين وصولاً إلى عصر الجمهورية التركية، فضلاً عن دور العبادة التاريخية التي تخصّ الديانات الثلاث. لذلك يمكن اعتبار استقلال متحفاً طويلاً مفتوحاً يتخلله عديد من المقاهي والمحالّ التجارية وأماكن الترفيه، وهي خدمة لا توفرها كبرى المدن السياحية في العالم.