الاقتصاد التركي
ما الذي ينتظر الليرة التركية في ظل الإدارة الاقتصادية الجديدة للبلاد؟
تشهد الليرة التركية تقلبات ملحوظة هذه الأيام، تكون فيها أقرب إلى التراجع أمام الدولار، وذلك تزامناً مع تولي إدارة جديدة لدفة الاقتصاد في البلاد، والتي تتجه إليها الأنظار عما ستقوم به في المرحلة المقبلة، لا سيما وأنها تضم شخصيات اقتصادية بارزة مثل وزير المالية محمد شيمشك، ورئيسة البنك المركزي حفيظة غاية أركان.
وواصلت الليرة التركية مسار تراجعها الحاد أمام الدولار الأميركي بالتزامن مع تعيين حفيظة أركان محافظة للبنك المركزي التركي، والتي من المتوقع أن تقود تحولا في السياسات المالية والنقدية المتبعة في البلاد تحت إشراف وزير المالية الجديد محمد شيمشك الذي يحمل رؤية ليبرالية لحل أزمة العملة والتضخم.
وهبطت العملة التركية بشكل ملحوظ خلال الأيام الأخيرة، ووصلت في تعاملات الجمعة الماضية إلى مستوى 24.5 ليرة لكل دولار، في وتيرة انخفاض يومي بلغت 1.75%، متجاوزة بذلك توقعات العديد من مؤسسات المالية الدولية.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أعلن تعيين الاقتصادية التركية البارزة في القطاع المالي الأميركي حفيظة أركان محافظة جديدة للبنك المركزي، في خطوة تعزز مسار العودة إلى السياسات المالية والنقدية التقليدية التي وصفها شيمشك في مؤتمر صحفي عقب تعيينه في المنصب بأنها “مبنية على أسس عقلانية وقابلة للتنبؤ”.
ونقلت وكالة رويترز، الخميس، عن مصرفيين أتراك قولهم إن بيانات احتياطات البنك المركزي التركي أظهرت زيادة بنحو 3 مليارات دولار في حسابات إيداع البنك المركزي الأسبوع الماضي.
وكانت أنقرة حصلت على نحو 28 مليار دولار من اتفاقات مقايضة العملات في السنوات القليلة الماضية مع الإمارات وقطر والصين وكوريا الجنوبية، دخل معظمها ضمن الاحتياطيات الإجمالية للبنك المركزي التركي.
استنزاف الاحتياطي الأجنبي
وعلى الرغم من ذلك فإن بيانات نشرت، الخميس، أظهرت أن إجمالي الاحتياطيات الأجنبية في البنك المركزي التركي بلغ 100.5 مليار دولار في الثاني من يونيو/حزيران الجاري، بانخفاض قدره 5.7 مليارات دولار.
وفي ظل احتياطي مستنزف وأزمة تضخم ما زالت تلقي بثقلها على الاقتصاد يعد اجتماع لجنة السياسات المالية والنقدية المرتقب في 22 يونيو/حزيران اختبارا لطبيعة السياسات المالية والنقدية التي سيعمل عليها الفريق الاقتصادي الجديد في البلاد.
وفي هذا الإطار، نقل تقرير لـ “الجزيرة نت” عن ألين ألبان محرر الشؤون الاقتصادية في جريدة “ديلي صباح” التركية، تأكيده أن الحكومة التركية أقدمت على استخدام أدوات مختلفة، للحفاظ على استقرار الليرة التركية، لكن مع تولي شيمشك منصب وزير المالية يبدو أنه تم إطلاق الليرة التركية لتقترب من “مستوياتها الحقيقية”.
ويقول ألبان إن فتح الباب أمام الليرة التركية للوصول إلى قيمتها الحقيقية يعد أول مؤشر على التغيير في السياسات الاقتصادية الذي يتوقعه المراقبون.
وبحسب الأكاديمي والخبير الاقتصادي مخلص الناظر، فإن من المتوقع أن تؤدي السياسات الجديدة إلى تراجع الليرة إلى قيمتها العادلة وهي ما بين 24 و25 ليرة مقابل الدولار الواحد لتستقر عند هذه النقطة في حال توازن العرض والطلب.
وأكد الناظر أن الاقتصاد التركي يعاني حاليا من عجز في ميزان المدفوعات، ولا يمكن السعي فيه إلى تحسين قيمة العملة، بل يجب الحفاظ على استقرارها أو حتى تخفيض قيمتها لكي تحفز الصادرات وينتعش قطاع السياحة.
سيرة ذاتية قوية
وتحمل محافظ البنك المركزي التركي الجديدة حفيظة غاية أركان شهادة الدكتوراه في مجال بحوث العمليات والهندسة المالية من جامعة برينستون الأميركية، وتولت منصبي المديرة العامة في “غولدمان ساكس” والرئيسة التنفيذية المشاركة في بنك “فيرست ريبابليك” على التوالي.
وبحسب وكالة الأناضول، تتمتع أركان بخبرة كبيرة في الأعمال المصرفية والاستثمار وإدارة المخاطر والتكنولوجيا والابتكار الرقمي، وهي عضوة في المجلس الاستشاري لقسم بحوث العمليات والهندسة المالية في جامعة برينستون.
مهمة صعبة
وتبدو مهمة شيمشك وأركان على درجة عالية من الصعوبة في ظل الظروف الاقتصادية العالمية التي تلقي بظلالها على الاقتصاد التركي الذي يعاني بدوره من أزمات محلية.
وبحسب مخلص الناظر الأستاذ الزائر في العديد من الجامعات التركية، فإن الفريق الاقتصادي الجديد مضطر للتعايش مع الفائدة الفدرالية الأميركية عند أعلى مستوى لها في عقود، مما يجعل أموال المستثمرين تتوجه بقوة نحو الولايات المتحدة ويصبح من العسير على الدول الناشئة استقطابها.
واعتبر أن رفع سعر الفائدة هو آخر ما يفيد الاقتصاد التركي من مجموعة خطوات كثيرة مطلوبة، منها إلغاء وديعة الليرة المحمية، وتوحيد أسعار الفائدة، وحرية عمل البورصة دون تدخل لإنقاذ الأسهم المنهارة، وعدم التدخل في سعر الصرف والعودة إلى سعر الصرف المرن.
ويؤكد الناظر أن شيمشك يحتاج إلى أن يتخذ هذا النوع من الإجراءات كي لا تتحول تركيا إلى النموذج الأرجنتيني حيث مستويات التضخم العالية جدا، في وقت تنهار العملة باستمرار وتقترب البلاد من الإفلاس.