منوعات
شيطانٌ في نخل المدينة.. هل كان عبد الله بن صيّاد هو المسيح الدجّال؟!
أليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو كافر (أي الدجال)، وأنا مسلم؟ أو ليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو عقيم لا يُولد له، وقد تركتُ ولدي بالمدينة؟ أو ليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخل المدينة ولا مكة. وقد أقبلتُ من المدينة وأنا أريد مكة؟ قال أبو سعيد الخدري: حتى كدتُ أن أعذره (وأقتنع بقوله). ثم قال: أما والله إني لأعرفه (أي الدجال) وأعرف مولده وأين هو الآن. قال: قلتُ له: تبا لك سائر اليوم”[12].
لقد أقنع ابن صياد أبا سعيد الخُدري بإيمانه وإسلامه مُدلِّلا بذلك بعلامات تخالف صفات الدجّال التي أخبرهم بها النبي -صلى الله عليه وسلم-، حتى إذا اقترب من هذا الاقتناع، عاد فأعلَمه أنه يدري مَن هو الدجّال وأين وُلد وأين هو الآن، وتلك أمور لا يعرفها إلا رجل من اثنين؛ إما أن يكون هو نفسه الدجال، وإما أن شيطانا أو جنيا يُطلعه على الغيب؛ لذا خاف منه أبا سعيد وابتعد.
على أن ما يلفت النظر أن ابن صياد خلف ولدا اسمه عُمارة بن عبد الله بن صياد كان من كبار التابعين وأهل العلم النابهين في المدينة المنورة، يقول ابن سعد البصري في “الطبقات الكبرى”: “كان (عمارة) ثقة قليل الحديث، وكان مالك بن أنس (إمام المذهب) لا يُقدِّم عليه أحدا في الفضل”[13]. وينقل الإمام النووي عن الإمام عبد الغني المقدسي صاحب “الإكمال” أن “عمارة هذا ثقة. واتفقوا على توثيقه (في نقل الحديث النبوي وحفظه). وروى عنه مالك في (كتابه) الموطأ في كتاب (باب) الأُضحية”[14].
غريب في الحياة وفي الممات!
وكما اختلف الصحابة وشكوا في ابن صياد حتى بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم-، انتقل الاختلاف إلى العلماء من بعدهم، أكان ابن صياد هو الدجّال الأكبر الذي حذّر منه النبي صلى الله عليه وسلم أم لا، فيخبرنا الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم أن “قصته مُشكلة، وأمره مُشتبه في أنه هل هو المسيح الدجال المشهور أم غيره، ولا شك في أنه دجال من الدجاجلة. قال العلماء: وظاهر الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُوحَ إليه بأنه المسيح الدجال ولا غيره وإنما أُوحي إليه بصفات الدجال، وكان في ابن صياد قرائن محتملة، فلذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يقطع بأنه الدجال ولا غيره”[15].
وهنا تنتهي قصتنا مع ابن صياد، ذلك الرجل الذي كان تارة يبدو للناس أنه الدجال في أخلاقه وصفاته، وتارة أخرى يبدو أنه مؤمن ورع، وربما كان ابن صياد ممن التبسه جن أو اقتربت منه الشياطين فكان يستمع من خلالها بعض الأخبار والأمور المشكلة على الناس، وربما تاب بعد إسلامه وقد أصبح ابنه من كبار التابعين كما رأينا، لكن رغم ذلك ظل مُريبا لأهل المدينة وعلى رأسهم كبار الصحابة والتابعين حتى اختلفوا في وفاته، فمنهم مَن يقول إنه مات وصلّى عليه الناس، ومنهم من يقول إنه فُقد في معركة الحرَّة الشهيرة التي واجه فيها أهل المدينة جيوش يزيد بن معاوية سنة 63هـ، فكان ابن صائد أو ابن صياد غريبا في حياته وغريبا في مماته!