منوعات
“بلومبيرغ” تكشف أسباباً جعلت المطبخ السوري عالمياً
أفردت وكالة بلومبيرغ الأمريكية تقريراً مطولاً للحديث عن المطبخ السوري والأسباب التي أدت مؤخراً إلى انتشاره ووصوله للعالمية بعد أن نجح بإثبات جدارته في أوروبا والشرق الأوسط وحتى في الولايات المتحدة.
عندما تلقّى محمد أورفلي، رئيس الطهاة وأحد مالكي مطعم Orfali Bros Bistro في دبي، رسالة إلكترونية من مجموعة أفضل 50 مطعماً في العالم في كانون الثاني عام 2022 اعتقد أنها كانت بريدًا غير هام.
كان عليه أن يقرأ الرسالة ثلاث أو أربع مرات قبل أن يعتقد أن صالة الطعام التي يديرها مع شقيقيه، عمر ووسيم، قد تم إدراجها في القائمة النهائية لأفضل المطاعم في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، ما جعله يجلس في ركن المطبخ ويبدأ البكاء.
بعد بضعة أشهر، ظهرت Orfali Bros لأول مرة في المركز السادس في قائمة المنطقة لعام 2022. وفي عام 2023 ، تم تصنيف Orfali Bros بالمرتبة الأولى في قائمة أفضل 50 مطعماً في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
يقول أورفلي إن الإنجاز لم يكن سهلاً، لا سيما في دبي، في الإمارات العربية المتحدة، حيث تشتد المنافسة بين سلسلة مطاعم رفيعة المستوى والأماكن المخصصة لتناول الطعام في الفنادق، لكن الطاهي يعتقد أن حانته الصغيرة المستوحاة من سوريا سوف تجد جمهورًا.
في حزيران، ظهر مطعم Orfali Bros، لأول مرة ضمن قائمة أفضل 50 مطعماً في العالم حيث حل بالمرتبة 46.
مع ارتفاع الطلب على الطهي والمكونات في الشرق الأوسط في السنوات العديدة الماضية، مدفوعاً بتكلفته المنخفضة نسبياً ومظهره الصحي، حظي الطعام السوري على وجه الخصوص بالاهتمام.
في لندن، ينتقل المطبخ السوري المشهور عماد إلى موقع أكبر في شارع كارنابي لاستيعاب جمهوره المتزايد.
يحصل المطبخ السوري أيضاً على اعتراف في نيويورك، بفضل مطعم SYKO في بروكلين والذي تشمل قائمته أطباقاً مثل شطائر السجق المعجون بالثوم والمخللات.
في لوس أنجلوس، لدى مطعم نوال الذي بدأ نشاطه قبل عام بجهد مشترك من الإخوة أرمباي ودوتي وداني زكريا قائمة قصيرة من التخصصات السورية المتغيرة التي غالباً ما تتضمن لفائف سجق وسندويشات من الباذنجان الصغير المحشوة بالجوز التي تُعرف باسم مكدوس.
الحرب واللجوء أبرز أسباب الانتشار
الطاهية ومؤلفة كتب الطبخ الشرق أوسطية البارزة، أنيسة حلو، تقول إن الاهتمام بالمطبخ السوري قد ازداد مع الصراع الذي تشهده البلاد منذ أكثر من عقد، مضيفة أنه مع النزوح بسبب الحرب أصبح الطعام السوري عالمياً نوعاً ما، والناس يتحدثون عنه.
وبحسب الحلو ذات الأصول السورية، تعود جذور الطعام إلى دمشق، إلى ما لا يقل عن 3000 قبل الميلاد، إذ كانت الأرض هناك خصبة بشكل ملحوظ، أما حلب فقد أصبحت مركزاً للذواقة في الشرق الأوسط بسبب الحضارات المختلفة ولأنها كانت في مفترق طرق تجارة الحرير.
ليس من السهل فصل المطبخ السوري عن فئة المأكولات الشرق أوسطية الأوسع، بما في ذلك أطباق مثل سلطة الخبز والفتوش والشاورما، وحتى الطهاة المحليون لديهم صعوبة في ذلك.
يقول همام أياسو، وهو طاهٍ سوري مقيم في لندن: “إنه مطبخ نَفَس، فخم، وفاخر، وعاطفي، المطبخ الوحيد الذي يخلو من الضجة”.
وفي الوقت الذي تفتخر فيه كل ثقافة بوصفات الجدّات في الطبخ، يتم تعريف المطبخ السوري بشكل خاص من خلال الوصفات التي يتم تناقلها عبر الأجيال وكرم الضيافة الذي يتماشى مع هذا المفهوم.
يقول أورفالي إن التاريخ الطويل للمطبخ السوري وهجرته إلى العالمية جعلته أيضاً معقّداً، إذ يتم تصنيف العديد من أشهر الأطباق في البلاد على أنها من بلاد الشام، في إشارة إلى المنطقة التي تشمل لبنان والأراضي الفلسطينية والأردن، وبالطبع سوريا.
أطباق سورية مميزة
ومع ذلك، هناك بعض الأطباق السورية المميزة، مثل الكبة وطباخ روحو، يخنة لحم الضأن بالخضروات، فضلاً عن أسياخ الدجاج المشوي الشهيرة المعروفة بـ الشيش طاووق.
شيش طاووق موجود على القائمة في مطبخ عماد السوري، الذي أعيد افتتاحه في وسط لندن في أوائل آب، إذ فرّ المؤسس ورئيس الطهاة عماد الأرنب من وطنه في عام 2015 بسبب الحرب، تاركاً وراءه إمبراطورية صغيرة من مطاعم الوجبات السريعة وحانات العصائر وفي ذلك العام وصل إلى المملكة المتحدة.
ويقول عماد إن الطبيعة العالمية والمتنوعة لعاصمة المملكة المتحدة سمحت له بـ “الجرأة على ابتكار وصفاته الخاصة” وفي النهاية فتح مكاناً دائماً.
كان هناك اهتمام كبير بالمطعم لدرجة أن الأرنب أطلق مؤخراً كتابه الأول الذي يحمل اسم “مطبخ عماد السوري”، ويشمل 120 من وصفاته، بما في ذلك الحمص بالزيت، المجدرة وحلوى الحليب كالمحلاية والمهلبية.
في ذلك الكتاب، يسرد الأرنب رحلته كلاجئ في طريق عودته إلى المطبخ، يقول إنه أشبه”بـ احتفال بقدرة الطعام على التقريب بين الناس”.
في دبي، ينسب أورفلي أيضاً الفضل إلى التعددية الثقافية للإمارة لنجاح مطعمه، فيقول: “إنها حديثة، ولها مكانة فريدة في الشرق الأوسط حيث يمكنني أن أمثل نفسي في المدينة” هدفه هو اصطحاب الضيوف إلى وطنه سوريا عن طريق أطباق مثل Come With Me to Aleppo ، وهو عبارة عن كباب لحم مع صلصة الكرز الحامضة والصنوبر.
تحديات على طريق النجاح
لكن إنشاء مطاعم سورية في دول مختلفة لا يخلو من التحديات. يقول الأرنب إن بعض الزبائن البريطانيون لا يشعرون بالراحة تجاه الأطباق الأصيلة، حيث يتذكر يوماً بعد أن أمضى ساعات في إعداد الكبة، فرفض أحد العملاء تجربتها لأنها تضمنت الزبادي المطبوخ.
حالياً، يقوم الأرنب بتعديل طفيف في وصفاته لجذب العملاء المحليين، على سبيل المثال، يستخدام الزبادي الطازج بدلاً من طهيه ويلجأ لتحمير القرنبيط بالفرن عوضاً عن قليه لتحضير طبق “الزهرة الحرة”.
شكّلت الأصالة تحدياً لليلى شمسي باشا و سام مهدي زاده، وهما مديرا البرنامج الشرق أوسطي “توم والطحينة” لأكشاك الطعام في المملكة المتحدة أيضاً. تقول شمسي باشا إنهم كافحوا لإعادة إنشاء خلطات التوابل التي وجدوها في سوريا، لكنهم “لم يغيروا الوصفات حسب ذوق الناس”.
في نسختهم من فتة الدجاج، الطبق التقليدي الذي يعتمد على خبز المقلي مع الطحينة وصلصة الزبادي بالثوم، يستخدمون قطع الدجاج المفتتة، ويضيفون الحمص المقرمش فوقها “لجعل الطعام أكثر متعة”، كما تقول.
تقول شمسي باشا إن المظهر مهم، مضيفة ” سيكون أكثر إثارة عندما ترى كذلك طبق من الكبة النية وإذا لم يكن لديك بها علم من قبل، ستصاب بالذهول وتقول ما هذا الشيء الوردي أمامي؟”
ومع ذلك، يمثل الثوم والطحينة تجربة سورية أصيلة للعديد من رواد المطعم، وتضيف: “ظل الناس يأتون ويقولون إن الأمر يبدو وكأننا نسير في منزل شخص ما”.
كان دعم المطاعم السورية قوياً، في عام 2020، حصل الشيف عماد الأرنب على تمويل جماعي بقيمة 50،000 جنيه إسترليني في 3 أشهر لافتتاح مطعمه الأول، يقول القائمون على مشروع توم والطحينة، إنهم جمعوا مؤخرًا 200 ألف جنيه إسترليني من المستثمرين.
يأمل الأخوان أورفلي في افتتاح مطعم آخر في الإمارات العربية المتحدة، يقول أورفالي إنه يقوم أيضاً ًبعصف ذهني لمفهوم جديد في لندن، بالإضافة إلى إمكانية الافتتاح في مراكز مثل طوكيو ونيويورك.
بالنسبة للشيف، لا يتعلق الأمر فقط بتوسيع العلامة التجارية، بل يتعلق بقطعة من وطنه سوريا، يقول: “إن مطبخنا جوهرة خفية لأننا نكافح لتسويق أنفسنا بشكل صحيح.. إنها هويتنا، وإذا فقدنا طعامنا فإننا نفقد هويتنا.”