أخبار تركيا اليوم
سياسي تركي: من الذي وضع هذه الحواجز بين الأتراك والعرب؟
شدّد السياسي التركي المعروف في حزب العدالة والتنمية الحاكم ياسين أقطاي، على أن “العنصرية ليست ناتجة عن نقص في المعرفة، بل منشؤها جهل أصيل”.
جاء ذلك في مقال كتبه لموقع الجزيرة مباشر تحت عنوان “الأتراك والعرب تاريخ مشترك وعداوة مستوردة”، وتطرق فيه إلى الحواجز القائمة بين الأتراك والعرب.
وقال أقطاي: “غالبًا ما يتم غض الطرف عن التزامن بين عملية تشكيل الهوية القومية في تركيا وحركة “التغريب” المبالغ فيها، فتاريخ الاستقلال التركي الذي يستند عليه دعاة القومية والوطنية التركية يعني أننا تحررنا وتخلصنا من الاحتلال الإنجليزي والفرنسي والإيطالي واليوناني، لكن العجيب هو التساؤل الذي لم يتم طرحه: لماذا في مرحلة لاحقة بذلك التحرر قد تم التمسك بأيدولوجية جاذبة نحو التشبه بهذا العدو المحتل والسير في ركابه بعد أن كافحنا للتخلص منه؟ ولماذا تم إقامة نظام سياسي في تركيا وفقًا لهذه الأيدولوجية؟!”.
وتابع: “تم التعامل مع أساليب الحياة وأنماط الأيديولوجيات والأفكار في الدول الغربية التي غزت تركيا وحاربنا للتخلص منها، والحديث عنها على أنها مستوى الحضارة الذي كنا نتطلع للوصول إليه، وربما كان هذا مرتبطًا بتأثير الأحكام الاجتماعية وتحيزاتها التي كانت شائعة في ذلك الوقت التي كانت تؤسس لعلاقة سببية مباشرة بين الفكر أو الدين والعقيدة وبين التطور المادي والحضارة، وفي تلك الفترة كان كتاب ماكس فوبر “أخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية” هو التعبير الشهير والأكثر شيوعًا عن هذه المغالطة الاجتماعية، وقبل ذلك شاعت فكرة أن المسلمين قد تأخروا بسبب دينهم، ولعلهم إذا تخلّوا عن دينهم سينهضون من جديد”.
وأردف: “بالطبع كانت وجهة النظر هذه من أكثر المقترحات تجاوزًا وغرابة وسطحية بما تحمله من طابع الاستشراق الذاتي والافتقار إلى الجدية، ومن الجدير بالذكر أن هذا الرأي لا يعكس الواقع بالمرة، حيث توجد العديد من البيانات التاريخية والموضوعية التي تظهر أن الغرب لم يتقدم بسبب المساهمة المباشرة للمذاهب المسيحية أو البروتستانتية أو أي تيار أيديولوجي آخر، بل على العكس، تقدم دون وجود أي تأثير لهذه المذاهب أو حتى رغمًا عنها.
ورغم ذلك فإن السيطرة المادية التي يتمتع بها الغرب قد خلصت بالمناقشة إلى القول بصحة هذا الرأي. حتى أن الذين كانوا يروجون سابقًا لفكرة أنه يجب أن نأخذ علوم الغرب وحضارته وتقنياته الحديثة، ونترك له ثقافته، حتى هؤلاء كانوا أداة لتنفيذ هذه المقترحات الغربية، فتم استيراد ثقافة الغرب وأيديولوجيته وكل أنماط حياته بالفعل عبر السياسة قبل أي محاولة لنقل علومه وتقنياته بوقت طويل”.
وأوضح أن “هذا الاستيراد للثقافة والهوية كان مؤلمًا ومؤسفًا للغاية، وأكثر من ذلك فقد تم في حرية تامة استبدال الثقافة والهوية بشكل يدفع للمزيد من السخرية، وكما قلنا سابقًا نقلًا عن سلمان سيد: “خاضت تركيا صراعًا مبالغًا فيه قاسيًا وحادًّا مع جذورها الشرقية ورموزها ومؤسساتها الثقافية وعاداتها لتشبه الغرب”، ولم يقتصر الأمر على مستوى الملابس والأحرف الأبجدية والحد من المظاهر الدينية، بل حاولوا صياغة تاريخ جديد ولغة جديدة وحتى جغرافية جديدة، كما سعوا لحظر الموسيقى التركية باسم التغريب، واستبدال الموسيقى الغربية بها من خلال مشروع تنوير المجتمع التركي المسمى “مساكن الشعب”.
وتابع: “في نقلة غربية صرنا نتوجه إلى الغرب ونقلده ونتخذه نموذجًا نحتذي به، ذلك الغرب الذي كافح ضده الشعب التركي وقاتله بثقة وثبات أصيل برسالته التي حملها من آسيا الصغرى إلى الأناضول والعناد والتحدي، ومن الجدير بالذكر أن هذا التقليد يقوم جنبًا إلى جنب مع ادعاء القومية في مشهد أكثر سخرية: بأي وجه يدَّعون القومية؟ وبأي اختلاف؟ وبأي قيمة أخلاقية لديهم لصحة دعواهم؟
لقد تركت تاريخك وماضيك كله الذي هو خاص بك، لحساب ثقافة الإمبراطورية الغربية، ودخلت إلى حفلة تنكرية بثياب تلك الثقافة الغريبة عنك، فهناك ماذا ستمثل؟ ومن أجل ماذا ستقاوم وتحارب؟ كيف ستبني حضارة وتصوغ قِيَمًا بتقليد أعدائك؟ كيف ستسهم في الإنسانية؟ لا يمكنك أن تصبح أفضل ممن تقلده. ألا تدري أنك بمجرد دخولك في طريق التقليد ضاعت هويتك تمامًا، ولم تعد تشبه أي شيء بعد أن انفصلت عن جوهرك.
وبالنسبة لنا نحن الأتراك فإننا لم نخرج عما خططه الغرب الذي هزمنا في الحرب العالمية الأولى، وطبقنا ما أراد، فجعلنا أساس قوميتنا هو كراهية العرب ومعاداة العروبة دون أن نقدم أدنى إجابة لتساؤلات مثل: لماذا؟ هل قامت بيننا وبين العرب حروب تستدعي أن نجعلهم يمثلون الآخر في رؤيتنا القومية؟ وعمومًا لماذا يجب أن يكون العرب هم الآخَر في مقابل القومية التركية؟ وما مصلحة الأتراك في أن يكون العرب ممثلين للآخر في الخطاب القومي التركي؟ ومن الذي وضع بين الأتراك والعرب هذه الحواجز التي لا يمكن تخطِّيها، والحدود التي لا يمكن تجاوزها في الوقت الذي تحرص الدول الغربية جميعها على إقامة العلاقات وتقويتها مع العالم العربي المليء بالنفط؟ لصالح مَن يمكن أن تعمل هذه الحواجز؟ بالطبع وضعها المستفيدون منها، لكن الأسوأ هو أننا وافقنا على ذلك وقبِلناه بشغف، مما يعني أننا بأيدينا بنينا الجدران التي تحبسنا وتقيّد حريتنا.