Connect with us

أخر الأخبار

نصر 30 أغسطس.. كيف أجهض الأتراك مخططات الغرب وأسسوا دولتهم؟

Published

on

عيد النصر في تركيا

يحيي مواطنو الجمهورية التركية في 30 أغسطس/آب من كل عام ذكرى انتصار الحركة الوطنية التركية على الاحتلال اليوناني لبلاد الأناضول، وذلك في المعارك التي دارت على طول الطريق بين منطقتَي ملاذكرد ودوملوبينار، من 26 إلى 30 أغسطس/آب 1922، وانتهت بتحرير مدينة إزمير في 9 سبتمبر/أيلول 1922، وإنهاء حقبة الاحتلال اليوناني لأراضي الأناضول رسمياً.

جاءت لحظة 30 أغسطس/آب كتتويج لمسار من القتال والنضال بدأه الشعب التركي لمواجهة مخططات الغرب ومشاريعه، ليشكل الانتصار نقطة تحول في التاريخ السياسي لتركيا والمنطقة بشكل عام.

لم تهزم قوات الحركة الوطنية الغزاة اليونانيين فقط، بل أسقطت مخططات الغرب ومساعيه لتقسيم الأناضول وسلخ إسطنبول عنه، وسلب الإرادة والقرار السياسي للشعب.

وكان وصول قوات الحركة الوطنية التركية إلى ساحل المتوسط، المسمار الأخير الذي دُق في نعش اتفاقية سيفر، والخطوة الأولى في تحرير إسطنبول وطرد الاحتلال منها، واللبنة الأولى في بناء الجمهورية التركية.

ما بين أغسطس 1920 وأغسطس 1922

فرض الغزاة الحلفاء في 10 أغسطس/آب 1920 معاهدة سيفر على الدولة العثمانية التي أثقلتها هزيمة الحرب العالمية الأولى.

تضمنت المعاهدة مجموعة من الشروط المجحفة، إذ قسمت الأناضول ما بين دول الحلفاء، وحصرت حدود الدولة التركية في جزء من منطقة البحر الأسود، كما سلبت إسطنبول وساحل البحر المتوسط وجنوب وشرق الأناضول، وقيدت المعاهدة مظاهر الاستقلال السياسي عبر الحد من القدرات العسكرية ومحاكمة المسؤولين في الدولة العثمانية.

لم تبق المعاهدة حبراً على ورق بل تمثلت ميدانياً على أرض الواقع، فاحتلت قوات الحلفاء العاصمة إسطنبول، فيما احتل اليونانيون إزمير، والجزر المقابلة لها في بحر إيجه، وتقدمت القوات الفرنسية واحتلت مدناً رئيسية في الجنوب الشرقي، فيما احتلت إيطاليا مدينة أنطاليا على ساحل المتوسط، وعدداً من الجزر التركية، وشرقاً لم تهدأ مساعي وأطماع العصابات الأرمينية في السيطرة على مدن الشرق المسلمة.

كل العوامل الميدانية والسياسية كانت متوفرة لتنفيذ اتفاقية سيفر المجحفة، لكن تشكل المقاومة التركية، ورفض سكان الأناضول الاستسلام لهذا المصير، كان سبباً في إجهاض مخططات الغرب ووقف توسع الاحتلال.

عامان فقط فصلا ما بين توقيع اتفاقية سيفر في أغسطس/آب 1920 والانتصار الكبير لجيش الحركة الوطنية في أغسطس 1922، تمكنت خلالهما الحركة الوطنية من طرد الفرنسيين من جنوب شرق الأناضول وإنهاء المطامع الأرمينية في الشرق، وإبعاد إيطاليا عن ساحل المتوسط، وأخيراً دحر محاولات اليونانيين للسيطرة على غربي الأناضول وساحل بحر إيجه.

هذا الأمر أفضى بالضرورة إلى موت اتفاقية سيفر بعد القضاء على بنيتها التحتية العسكرية والسياسية، فانتصار 30 أغسطس/آب نقل تركيا من خانة الدول المهزومة إلى دولة منتصرة. فاوضت الحلفاء في مؤتمر لوزان الذي تمكنت فيه من توقيع اتفاقية جديدة حافظت على سيادة واستقلال تركيا، بعد أن كان المعروض عليها دويلة محاطة بمجموعة من الدول الاستعمارية.

ضرب المشروع اليوناني في الأناضول

فتحت هزيمة دول المحور التي انضمت إليها الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى الباب أمام الأطماع اليونانية القديمة- الحديثة في السيطرة على ساحل بحر إيجة وغرب الأناضول وبناء دولتهم القومية، تطبيقاً لما عرف باسم ” فكرة ميغالي”، والتي بموجبها تسيطر اليونان على سواحل بحر إيجه ومنطقة غرب الأناضول لبناء الدولة اليونانية الكبيرة.

رأى اليونانيون في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى فرصة لتنفيذ مشروعهم القومي، فاحتلت القوات اليونانية بالتعاون مع دول الحلفاء إزمير في مايو/أيار 1919.

منذ اللحظة الأولى كانت النوايا اليونانية واضحة وهي الاستيلاء على الأناضول وتفريغها من سكانه الأتراك والمسلمين، فبدأت عمليات تطهير عرقي ومجازر أريد منها دفع السكان إلى الهرب.

وفي يونيو/حزيران 1920، امتد الهجوم اليوناني باتجاه مناطق جديدة غربي الأناضول، وبحلول صيف عام 1921، كانت القوات اليونانية قد بلغت أوج توسعها في الأناضول، مقتربة من عاصمة الحركة الوطنية في أنقرة، التي دارت على مشارفها معركة سكاريا التاريخية التي شكلت هزيمة الجيش اليوناني فيها بداية نهايته في الأناضول.

وبعد عام من عملية الإعداد والتجهيز، التي شملت تعبئة الموارد البشرية والمادية، وفي 26 أغسطس/آب 1922، انطلق الهجوم التركي الكبير الذي انتهى بطرد الجيش اليوناني من الأناضول.

على مدار سنوات الحرب العالمية الأولى وما تلاها شكلت الأطماع اليونانية في بلاد الأناضول الخطر الأكبر الذي واجهته تركيا، فالمشروع اليوناني سعى لحرمان الأتراك من أهم المدن التاريخية وعلى رأسها إسطنبول.

كما حاول الغُزاة إعادة التاريخ قروناً إلى الوراء وقطع تواصل الأتراك مع البلقان وإرجاعهم إلى بوابات الأناضول الشرقية، فمن مصادفات القدر أنه في شهر أغسطس/آب من عام 1071 نجح الأتراك في دخول الأناضول بعد الانتصار في ملاذكرد، وفي أغسطس/آب 1922 نجح الأتراك في الحفاظ على وجودهم في الأناضول بالانتصار في حرب الاستقلال.

استعادة إسطنبول

نصت هدنة مودروس عام 1918 الموقعة ما بين الدولة العثمانية والحلفاء على عدد من البنود على رأسها تسريح الجيش العثماني واحتلال الحصون المقامة على مضيق إسطنبول ومضيق جناق قلعة.

وفي شهر نوفمبر/تشرين الثاني 1918، دخلت قوات الحلفاء مدينة إسطنبول التي قسمت إلى ثلاثة أجزاء، سيطر البريطانيون على منطقة غلطة، وسيطر الفرنسيون على منطقة الفاتح وما حولها، فيما سيطر الطليان على منطقة إسكودار وقاضي كوي.

ووقعت إسطنبول لأول مرة في تاريخها منذ أن فتحها السلطان محمد الفاتح في مايو 1453، ومرت عملية الاحتلال بمرحلتين أساسيتين الأولى في نوفمبر/تشرين الثاني 1918 والثانية في مارس/آذار 1920، ولاحقت الدول الغازية خلال فترة احتلالها للأناضول الوطنيين الأتراك وضيقت على الشعب التركي الذي بدأ يتفاعل مع الحركة الوطنية الصاعدة.

وبعد توقيع معاهدة سيفر عام 1920، رأى الحلفاء أن تطبيق الاتفاقية يبدأ من إسطنبول، فزادوا من إجراءات السيطرة على المدينة، وبدؤوا العمل على جعل المدينة قاعدة أساسية لمواجهة الحركة الوطنية التركية.

وشكل نصر 30 أغسطس/آب الخطوة الأولى في استعادة مدينة إسطنبول بعد إدراك الحلفاء أن أمامهم قوة منظمة تملك القوة العسكرية والإرادة السياسية للوصول إلى أهدافها، ما دفعهم للدخول في مفاوضات سياسية مع جيش الحركة الوطنية التركية أفضى إلى انسحاب الحلفاء من المدينة في أكتوبر/تشرين الأول من عام 1923.

إعادة تأسيس الدولة التركية

لسنوات طويلة مرت الدولة العثمانية بحالة من التدهور، كان فقدان الأراضي لصالح الغزاة الأجانب أهم معالمها، وبعد الحرب العالمية الأولى، خسرت الدولة العثمانية مساحات شاسعة من الأراضي والأقاليم التي تسيطر عليها، ومع نشوء الحركة الوطنية التركية في الأناضول، قرر قادتها التمسك بالأناضول كإقليم جغرافي لدولتهم الجديدة.

بدأت الحركة الوطنية التركية بتحرير الأناضول وطرد الغزاة منها، وشكل انتصار 30 أغسطس/آب المحطة الفاصلة في إنهاء الوجود الأجنبي، ليحصل الوطنيون الأتراك على إقليمهم الجغرافي الذي استكملوا عليه بناء مؤسسات الدولة التركية الجديدة، من البرلمان والجهاز الحكومي، وصولاً إلى الدستور ومنظومة العلاقات الخارجية.

واجهت الدولة الفتية تحديات مختلفة، فمن جانب لديها أولوية إعادة إعمار ما هدمته سنين الحروب الطويلة التي عاشتها شعوب الأناضول وتحمل تكلفتها، ومن جانب آخر كان لديها أجندة السياسة الخارجية والداخلية، بخاصة مع الاضطرابات الأمنية التي عاشتها الجمهورية في سنواتها الأولى، لكن الإرادة التي أظهرها الشعب التركي في حرب الاستقلال قادت إلى تماسك الدولة وبقائها.

ختاماً، جاء انتصار 30 أغسطس/آب كتتويج لمسار نضالي بدأته الحركة الوطنية التركية بعد الحرب العالمية الأولى، تمكن الأتراك خلاله من مواجهة غزو الدول الغربية وأجندتها الاستعمارية، التي برزت في مشروع اليونان لاحتلال غرب الأناضول وسواحل البحر الأسود، واحتلال الحلفاء لإسطنبول، ليصبح تحرير الأناضول وبناء الدولة التركية الجديدة أهم منجزات هذا الانتصار والمسار النضالي.

 

المصدر : TRT عربي – وكالات

فيسبوك

Advertisement