السياحة في تركيا
جامع آيا صوفيا.. بدأ كنيسة وانتهى مسجدا
تعرض المبنى لتخريبات متكررة، ورُمّم -حسب ما وُثّق- 42 مرة بين القرنين السادس والحادي والعشرين.
أدرجته منظمة اليونيسكو عام 1985 ضمن قائمتها لمواقع التراث العالمية، ووُصف بالأعجوبة الثامنة في العالم بقبته المميزة التي بلغ قطرها 31 مترا.
ويعد مسجد بايزيد الثاني، أول أثر عثماني يمكن رصد تأثير كنيسة آيا صوفيا في تصميمه، على الرغم من أن قبته أصغر بكثير من قبة آيا صوفيا، إذ لا يتعدى قطرها 18 مترا. ويوجد جامع آخر اسمه “آيا صوفيا الصغير” تحول أيضا إلى مسجد في زمن الفاتح.
الموقع
يقع جامع آيا صوفيا في القسم الأوروبي من مدينة إسطنبول، في منطقة السلطان أحمد، على مقربة من سوق بيازيد المعروف أيضا باسم “غراند بازار” وحديقة غولهانة الشهيرة ومنطقة “إمينونو” السياحية.
ويطل على ميناء القرن الذهبي ومدخل البوسفور، وإلى جانبه يقع قصر “طوبقاي سراي”، وإلى الجنوب منه يوجد مسجد السلطان أحمد، المعروف بـ”الجامع الأزرق”، وبالقرب منه مسجد سليمانية ومسجد شاه زاده محمد والأسوار التاريخية.
ويقع مبنى آيا صوفيا على التل الأول من التلال السبعة التي بنيت عليها القسطنطينية (إسطنبول) وتقع كلها ضمن السور القديم للمدينة التي كانت تسمى “التيجان السبعة”، ويرفع كل من هذه التلال معلما مشهورا.
الاسم
في بداية إنشائه كان آيا صوفيا كنيسة تسمى “ميغالي إغليسيا”، وتعني “الكنيسة الكبيرة”، وذلك لكبر حجمها مقارنة بالكنائس المعاصرة لها في المدينة، وذُكر أيضا أنه كان يطلق عليها “صوفا” حوالي عام 400 م.
منذ القرن الخامس الميلادي سُمّيت “هاغيا صوفيا”، وهو اسم يونانية يعني “الحكمة المقدسة” أو “كاتدرائية حكمة الله” أو “الكنيسة العظمى”.
منذ منتصف القرن الـ14م، سُمّيت باسمها الذي تشتهر به “جامع آيا صوفيا” بعد أن حُوّلت إلى مسجد سماه العثمانيون “آيا صوفيا كبير جامع شريف”، أي الجامع الكبير الشريف لآيا صوفيا.
التصميم المعماري
بني المسجد من الحجر مع تطعيمات مفصلية من الطوب والبلاط المكون من خليط من الرمل والخزف، وجاء تصميم الجدران بألواح من الرخام بأنواع وألوان متعددة، وزُيّنت السقوف بمناظر من الفسيفساء.
طول المبنى الرئيسي 269 قدما، وعرضه 243 قدما، وتنتصب في وسطه قبة يبلغ محيطها نحو 31 مترا، وترتفع عن الأرض قرابة 56 مترا، وتحيط بها أربعون نافذة، وحولها سبع قباب صغيرة، وهي نصف قبة منحنية الشكل، تستند بدورها على عقود ودعامات سفلية، ومغطاة من الداخل بطبقة من الرصاص لحمايتها من العوامل الجوية.
وقد ظهرت بالجامع نقاط ضعف هندسية وبنائية ومعمارية لا تتفق مع موقعه الجغرافي عند شبه جزيرة وجهتها نحو الشرق، إذ شكل وضع القبة في العصر البيزنطي على الجدران مباشرة، ضغطا كبيرا على بقية المبنى.
في سبيل تجاوز ذلك، شيّد سنان آغا -أشهر مهندس عثماني- الذي عاصر أربعة سلاطين، ست دعامات حجرية للقبة من الخارج ومآذن صلبة في الجناح الغربي لتخفيف ذلك الضغط وتقوية المبنى.
ووفقا لكثير من الخبراء، فإن ترميمات سنان في القرن الـ16، هي التي ساعدت على صمود القبة حتى الآن، وقيل إنه عندما علق آية النور فيها قال عبارته المشهورة “علقت آية النور في القبة، لتظل مرفوعة ما دامت الآية في قلبها إلى يوم القيامة”.
أما المحراب فهو مستطيل الشكل، وينتهي بزخارف تشبه التاج بلونها العاجي والأخضر، الذي يتوافق مع جدرانه الخلفية، وتستند إلى جانبيه أعمدة رخامية، وقد رُفع فوق المنبر سنجق السلطان محمد الفاتح.
أبواب الجامع من نحاس أصفر منقوش، وفي داخله 170 عمودا من الحجر السماقي والرخام، وبابه الكبير يقع في جهة الغرب، ولا يؤدي مباشرة إلى صحن الجامع الداخلي، بل من خلال ساحة مستطيلة تؤدي إلى سلم حلزوني يرتفع بطريقة تدريجية. وقد اتبع العثمانيون هذا النمط من البناء في معظم الجوامع التي أنشئت بعد فتح إسطنبول.
تاريخ طويل ومعمار متغيّر
شُيّدت كنيسة آيا صوفيا ثلاث مرات خلال فترة الاضطرابات التي شهدتها الدولة البيزنطية:
كانت المرة الأولى في عهد الإمبراطور قسطنطنيوس عام 360م، وكانت حينئذ بناء بسيطا مغطى بسقف خشبي، وقد احترق هذا البناء خلال ثورة اندلعت عام 404 م.
ثم في عهد الإمبراطور ثيودوسيوس الثاني، أعيد البناء من جديد عام 415 م، واحتوى على خمسة بلاطات ومدخل ضخم، وشُيّدت جدرانه من الحجر وسقفه من الخشب، لكنه احترق أيضا وخُرّب عقب “ثورات نيفا”.
هيّأ تدمير الكنيستين للإمبراطور “جوستنيان” الأول، المعروف بميوله المعمارية، الفرصة لتصميم كنيسة بديلة بأبعاد ضخمة بين عامي 532م و537م، وهو الشكل الذي بقيت عليه.
وقدم المعماريون في هذا البناء الثالث منظورا جديدا مختلفا عن البناءين السابقين، وذلك من خلال سقف مقاوم للحريق، بقبة شاهقة من الآجر الخفيف، تستند على أربع دعائم بينها عقود، ويحيط بأسفلها أربعون نافذة يتخللها النور، كما أبدعوا في تنميقها وتزيينها ورصعوا جدرانها بالرخام، وسقوفها بالفسيفساء والذهب.
وفي زلزال عام 558م سقط جانب من القبة، فجُدد بناؤها عام 563م، ورُفع بنحو 20 قدما.
وكانت أكثر ترميمات آيا صوفيا في العهد البيزنطي في القرن 14م، إذ بنيت حولها جدران وأجنحة جديدة لتوطيد الكنيسة وملحقاتها التي كانت تغطي مساحة 7500 متر مربع.
خلال الحملة الصليبية الرابعة عام 1204م، بقيادة الدوق إنريكوس دندالو (المدفون في الطابق الثاني من آيا صوفيا)، حُوّلت إلى كاتدرائية ملحقة بالكنيسة الرومانية الكاثوليكية فترة وجيزة.
لكنها عادت إلى كاتدرائية أرثوذكسية شرقية عند استرداد الإمبراطورية البيزنطية لأراضيها عام 1261م، وظلت تمثل الكنسية الرسمية للدولة، وأهم مكان يتوج فيه ملوكها على مدى 900 عام.