مقالات وتقارير
عدنان مندريس.. 60 عاماً مضت على إعدام رئيس وزراء خلال أول انقلاب بتركيا
أحيا الأتراك اليوم الأربعاء 27 مايو/أيار، الذكرى الـ 60 للانقلاب الذي أطاح برئيس الوزراء آنذاك عدنان مندريس، وأودى به إلى حبل المشنقة، بعدما أمضى حياة سياسية حافلة بالإنجازات، وأبرزها إعادة رفع الأذان باللغة العربية بعد أن فرضت باللغة التركية من قبل العسكر، ما دفع الأتراك إلى منح لقب “شهيد الأذان” لمندريس.
عقب فوزه بالانتخابات البرلمانية في 14 مايو/أيار 1950، حاصداً 84% من مقاعد البرلمان، وصف مندريس فوز حزبه بالانتخابات قائلا: “سيُذكر يوم 14 مايو دائما باعتباره يوما تاريخيا استثنائيا، أنهى حقبة وبدأ حقبة جديدة. سنذكر هذا اليوم على أنه يوم نصر ليس لحزبنا، فقط ولكن للديمقراطية التركية”.
بعد الانتخابات اختارت الكتلة البرلمانية للحزب “الديمقراطي” جلال بيار رئيسا للجمهورية، وكلف بدوره مندريس بتشكيل الحكومة.
شكل مندريس حكومته في 22 مايو/ أيار 1950، وأعلن برنامجه في 28 من الشهر نفسه.
خلال تولي حزبه الحكم، أنهى مندريس سياسات عديدة لم تكن مقبولة لدى الشعب التركي، حيث ألغى مثلا حظر رفع الأذان باللغة العربية، بعد 18 عاما من حظر بدأ في 1932.
كما أعاد مندريس مادة التربية الدينية إلى المناهج التعليمية، بعد منعها بدعوى علمانية المؤسسات التعليمية، وبدأ تدريس مادة التربية الدينية اعتبارا من السنة الرابعة للمرحلة الابتدائية، بشرط أن يطلب ذلك أولياء أمور الطلاب.
كما انتهج مندريس سياسة اقتصادية ليبرالية، وشهدت تركيا في عهده تنمية اقتصادية كبيرة، وانتقلت إلى اقتصاد السوق الحر، ورفعت حكومته جميع القيود أمام الواردات، وخفضت نسبة الفائدة لتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار، إضافة إلى إقرارها تعديلات قانونية لخصخصة المؤسسات الاقتصادية الحكومية، بهدف تشجيع دخول الأموال الأجنبية إلى تركيا.
واستفادت الحكومة من مخصصات “مشروع مارشال” الأمريكي، لبناء منشآت صناعية جديدة في تركيا، كما تم تأسيس بنك “وقف” التركي، في 1954. ليحقق الناتج القومي الإجمالي لتركيا خلال تلك الفترة نموا بنسبة 9 بالمئة.
وفي 2 مايو/ أيار 1954، شهدت تركيا انتخابات برلمانية، وبلغت نسبة المشاركة فيها نحو 88.63 بالمئة. وحصل الحزب “الديمقراطي” على 56 بالمئة من الأصوات، ليفوز بـ93 بالمئة من مقاعد البرلمان، محققا بذلك أعلى نسبة في تاريخ تركيا.
في عام 1960، شكّل 15 نائبا من الحزب” الديمقراطي” لجنة في البرلمان التركي، للتحقيق في أنشطة المعارضة والإعلام، وإثر ذلك اتهمت قيادة حزب “الشعب الجمهوري” الحزب “الديمقراطي” بتحويل تركيا إلى الديكتاتورية.
حينها، قال رئيس حزب “الشعب الجمهوري”، عصمت إينونو، عبارته الشهيرة: “أيها الأصدقاء.. إن الثورة حق مشروع للشعب عندما تكتمل شروطها”.
عقب ذلك وقعت أحداث واحتجاجات بين الطلاب؛ جراء أخبار كاذبة تناقلها الإعلام آنذاك، وكان أكبرها في ميدان “قزل آي” وسط العاصمة أنقرة، في 19 أبريل/ نيسان 1960.
وفي 5 مايو/ أيار اجتمع الطلاب مجددا في “قزل آي”، فذهب مندريس إلى الميدان الذي يحتجون فيه ضده، واختلط بين المتظاهرين، في هذه الأثناء لفّ شاب يديه حول عنق مندريس محاولا خنقه، فسأله مندريس: “ماذا تريد (؟)”، ليجيبه الشاب: “أريد حرّية”، فرد مندريس: “أنت الآن تلفّ عنق رئيس للوزراء.. هل توجد حرية أفضل من هذا؟!”.
وعندما حان صباح 27 مايو/ ايار 1960، أعلنت لجنة الاتحاد الوطنية، التي تشكلت من 38 جنرالا وضابطا من القوات المسلحة التركية، وضع يدها على السلطة في البلاد.
كان مندريس يقوم بجولة في ولاية كوتاهية، في اليوم نفسه، فألقي القبض عليه واقتيد إلى أنقرة، وبعدها سُجن مع باقي كوادر حزبه في جزيرة “ياسسي أدا – Yassıada” ببحر مرمرة، لتبدأ محاكمته في 14 أكتوبر/ تشرين أول 1960.
وفي 15 سبتمبر/ أيلول 1961، حكم القاضي بإعدام كلا من: مندريس، حسن بولاطقان وفطين رشدي زورلو.
وبعد 29 عاما، صادق البرلمان التركي، في 11 أبريل/ نيسان 1990، على قانون أعاد فيه الاعتبار إلى عدنان مندريس وأصدقائه الذي أعدموا معه.
وبموجب هذا القانون، نُقل رفات مندريس، بولات قان وزورولو من جزيرة “إمرالي” في بحر مرمرة، ودفنوا بمراسم رسمية في شارع الوطن بإسطنبول، يوم 17 سبتمبر/ أيلول 1990.
ويرتاد الأتراك في يومنا الحالي، قبر عدنان مندريس ورفاقه، مترحمين عليهم، فيما تستقبل المقبرة ذاتها، أعداداً كبيرة من السياسيين والمواطنين، يوم 27 مايو/ أيار من كل عام، ليحييوا ذكرى الانقلاب الذي تمحه السنين الطويلة من ذاكرتهم.
المصدر : ترك برس