دولي
هل سترد إيران على الهجوم الإسرائيلي الذي استهدف أصفهان؟
قالت وسائل إعلام إيرانية؛ إنه سمع دوي انفجارات قرب مطار أصفهان وقاعدة هشتم شكاري الجوية، ولفتت إلى أن الهجوم تم بمسيرات انتحارية صغيرة لم يتم تحديد مصدرها بعد.
وأشار التلفزيون الرسمي الإيراني في بيان له، إلى أنه “عند حوالي الساعة 12:30 صباحا بتوقيت غرينتش رُصدت 3 مسيرات في سماء أصفهان، وجرى تفعيل منظومة الدفاع الجوي وتدمير المسيرات في السماء”.
بالمقابل، لم يصدر أي بيان رسمي إسرائيلي حول هذا الهجوم، سواء بالنفي أو تأكيد المسؤولية عنه، خاصة أنه جاء بعد تهديدات إسرائيلية بالرد على الرد الإيراني على الهجوم على قنصلية طهران في دمشق.
وتباينت آراء محللين تواصلت معهم “عربي21” حول الرد الإيراني المتوقع، حيث يرى البعض أن إيران وإسرائيل لديهما رغبة بعدم التصعيد وفتح صراع مباشر، بينما يرى محللون آخرون أن طهران في حال ثبُت مسؤولية تل أبيب عن هجوم أصفهان، سترد بقوة عسكرية كبيرة وبشكل مباشر.
الباحث الإيراني في الشؤون الدولية، سعيد شاوردي، أكد أنه “حتى الآن لم يُثبت بشكل قاطع أن إسرائيل ارتكبت أي اعتداء على المنشآت النووية أو القاعدة العسكرية الثامنة التابعة للجيش الإيراني في أصفهان، أو أي مدينة أو قاعدة عسكرية أخرى”.
ورأى شاوردي خلال حديثه لـ”عربي21″، أنه “لو أعلنت إسرائيل مسؤوليتها عن الهجوم، فإنها بذلك تُحرج نفسها ولو لم تفعله لكان أفضل لها، خاصة أنه رد ضعيف وسطحي جاء بعد كل التهديدات الكبيرة التي سمعناها من نتنياهو ووزير الحرب الإسرائيلي وغيرهم، بأنهم سيردون برد كبير على الهجوم الإيراني”.
ويعتقد أنه “إذا ما ثبُت خلال الساعات القادمة مسؤولية إسرائيل عن هذا الهجوم، فإن إيران سترد بشكل مباشر باستخدام أسلحة وصواريخ متطورة، ولن يكون هناك أي إنذار سابق لإسرائيل، بل سيتم مهاجمتها بشكل مباشر وكبير”.
وأوضح أن “هذا الرد المباشر يتفق مع ما سمعناه من الرئيس إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية أمير عبد اللهيان، وقيادات عسكرية أخرى؛ لأن إيران تريد أن تكون المعادلة الجديدة التي وضعت خلال الأيام الماضية سارية ومفعولها مستمر”.
وتابع شاوردي: “إيران أيضا تريد أن تقول من خلال المعادلة الجديدة التي خلقتها؛ إنها القوة الأقوى في المنطقة وفي الصراع بينها وإسرائيل، وطهران لا تريد أن تخسر ما أنجزته وما وصلت إليه في الهجوم الأخير على تل أبيب”.
ويرى “أن ما قامت به إسرائيل في أصفهان إذا ما ثبُت مسؤوليتها عنه، لا يساوي ما قامت به إيران، وهذا الهجوم أتصور أنه سيكون دليلا واضحا على ضعف إسرائيل”.
وأكد أنه “بالرغم من عدم حدوث خسائر بشرية في الهجوم الإيراني، الذي يعتقد أن إيران كانت متعمدة ذلك، إلا أنها تعتبر نفسها أنها استطاعت إيصال رسالة قوية لإسرائيل، مفادها أن طهران تمتلك قوة صاروخية محلية بإمكانها اجتياز جميع المنظومات الدفاعية الأمريكية والإسرائيلية، وأنه تم اختبار هذه الصواريخ في الهجوم الأخير”.
وخلص بالقول: “إيران تريد أيضا أن تقول لواشنطن وتل أبيب أن هناك معادلات جديدة في المنطقة عليكم أخذها بالحسبان، كذلك تقول للإسرائيليين؛ إنه من الآن فصاعدا نحن نمتلك هذه القوة العسكرية، ونستطيع أن ندافع من خلالها عن سيادتنا وأمننا القومي ومنشآتنا النووية، ويمكن الدفاع بهذه الترسانة الصاروخية عن حلفائنا وعن أمن المنطقة”.
رغبة ثنائية بعدم التصعيد
الخبير العسكري نضال أبو زيد قال؛ إنه “في ظل تضارب المعلومات حول تفاصيل الأهداف المُستهدفة، -بالطبع الحديث الإعلامي يجري عن ثلاث مواقع رئيسية أصفهان وتبريز وطهران-، تشير تصريحات كلا الطرفين وعدم تصعيد حدة خطابهما الإعلامي حتى الآن، إلى عدم وجود رغبة في التصعيد”.
وتابع أبو زيد في تصريحات خاصة لـ”عربي21″: “لكن سرعة إعلان أمريكا بأن إسرائيل وجهت ضربة لإيران، هي محاولة من واشنطن لتعزيز وإبقاء صورة الردع الإسرائيلي في المنطقة من ناحية، واعتبار أن إسرائيل ردت على الاستهداف الإيراني والوقوف عند هذا الحد؛ منعا لإنزلاق المنطقة نحو تصعيد غير محسوب النتائج”.
وحول الموقع التوقع انطلاق المسيرات منه قال أبو زيد: “يبدو من شكل الضربة والمكان المُستهدف وهو قاعدة جوية في أصفهان، أن إسرائيل تجنبت استهداف المفاعلات النووية (أراك، فوردو، نتنز)، الأمر الذي يشير إلى أنها لا تريد أهدافا استراتيجية”.
وتابع: “مما يشير أيضا إلى عدم وجود رغبة في التصعيد واستفزاز إيران أكثر والاكتفاء بأهداف حيوية وليست استراتيجية، فيما يشير استخدام الطائرات المسيرة في القصف، إلى أن إسرائيل إما استخدمت قاعدة الطائرات المسيرة “سيتالشاي” العسكرية الجوية في أذربيجان، الواقعة على بعد 500 كيلومتر من الحدود الإيرانية، أو أنها استخدمت قاعدة إسرائيلية للطائرات المسيرة في كردستان العراق”.
وحول الرد الإيراني المتوقع، قال الخبير العسكري نضال أبو زيد: “في ظل هذه المؤشرات وعدم الرغبة في تصاعد حدة الخطاب الإعلامي، أو عدم تبني العملية رسميا من إسرائيل، ومن جهة أخرى تقليل إيران من نتائج الضربة، أعتقد أن كلا الطرفين لا يرغبان بالتصعيد، ولن يكون هناك رد إيراني مباشر على الأقل خلال الأيام القليلة القادمة، إذا لم يحدث متغيرات جديدة”.
رد مُؤجل
الباحث في الدراسات الإيرانية عبد القادر فايز، يرى أن “إيران تتبنى رواية رسمية لا توحي بأنها ستذهب إلى رد، بمعنى أنها تضع روايتها في قالب أن ما جرى هو هجوم أمني بالدرجة الأولى، وفي مساحات الظل والمنطقة الرمادية أكثر من تقديمه كهجوم عسكري مُعلن وواضح”.
وأوضح فايز في حديث خاص لـ”عربي21″، أن “المناطق الرمادية يبقى الهجوم الأمني فيها لا إسرائيل تتبنى ولا إيران لديها دلائل حقيقة على أن الأخيرة تقف خلفه، وهذا في نهاية المطاف يُبقي الرد الإيراني مُؤجلا، وفي المساحة الأمنية بالدرجة الأولى؛ أي في المنطقة الرمادية”.
وتابع: “يبدو أن طهران تُفضل أن تُبقي الحدث في المساحة الرمادية كحدث أمني، لم يؤد لأضرار وازنة وكبيرة لهدفين، الأول لكي لا تضعه كرد إسرائيلي على الرد الإيراني؛ لأنها تتعامل مع ردها على أنه تحرك عسكري مُعلن تبنته الدولة بشكل كامل، وأدى إلى ما يُسمى بمعادلة ردع مع إسرائيل، وتتعامل مع ضربة أصفهان، بأنها حدث أمني أقل سقف من هجومها العسكري”.
وأضاف: “من ثم هي لا تصفه بأنه فعل عسكري إسرائيلي مباشر، وهذا يوفر عليها الرد بالدرجة الأولى، وإذا ما ردت سترد بالطريقة التقليدية التاريخية التي كانت تدور في المساحة الرمادية بينها وإسرائيل، وفق شروط معينة وفي أماكن معينة وتُبقي حالة الردع التي صكتها في معادلة الهجوم العسكري الكبير، المُعلن على إسرائيل قائمة، وهذه مصلحة استراتيجية إيرانية”.
وأما الهدف الثاني وفقا لفايز، فهو أن “إيران تخشى من الدخول في دوامة رد ورد مضاد وهكذا، وأن يذهب الموضوع باتجاه فتح باب الحرب المفتوحة بين الطرفين، وهو ليس مصلحة إيرانية”.
وأكد أن “المصلحة الاستراتيجية الإيرانية ليست بالحرب؛ لأن ذلك يعني كارثة اقتصادية بالنسبة لها ووضع داخلي معقد بشكل كبير جدا، واحتمال في خسارة ما يسمى بالخط الذهبي في النفوذ الإيراني تحديدا في سوريا والعراق ولبنان، فلذلك فالحرب قد تنتهي بالنسبة لطهران بشكل سلبي، وستكون معنية بأن تفرض معادلة حرب مع إسرائيل، التي أيضا ستنتهي بشكل سلبي بالنسبة لتل أبيب، ولكن من على الضفة الإيرانية خسائر الحرب المفتوحة واسعة جدا”.
ويعتقد الباحث عبد القادر فايز، أن “قضية الرد الإيراني غير واضحة، وأن إيران غير معنية بالذهاب إلى رد، أيضا طهران تبدو غير مقتنعة بأن ما جرى هو رد إسرائيلي على ما قامت به، وقد يكون خطوة أولى في سياق أكبر وأوسع في مرحلة ما، تجد فيها إسرائيل نفسها أكثر ملاءمة لها أيضا هذا وارد، لذلك يعتقد أن إيران تتعامل مع ما جرى وتقدمه ضمن رواية بسقف منخفض، لكي تكون نتائجه بسقف منخفض لكي يؤمن لها تعامل بسقف منخفض، ولا يفرض عليها رد عسكري مباشر على إسرائيل، وعدم اتهام تل أبيب بشكل مباشر من قبل طهران يصب في هذا السياق”.
مساحة رمادية
وحول ما إذا كانت قواعد الاشتباك بين الطرفين ستعود إلى سابق عهدها، قال فايز: “أعتقد أنها ستبقى قائمة، ولكن يُضاف إليها قواعد الردع المباشر، فقواعد الاشتباك السابقة صكت ضمن مفهوم أسمته إيران الصبر الاستراتيجي، وأطلقت طهران ضربات وازنة في مساحة الظل، ولكنها لم تؤد إلى النتائج المرجوة، بمعنى اغتيال العلماء النوويين قد يكون آخر تطور البرنامج النووي الإيراني، لكن لم يُوقفه، واغتيال بعض القادة العسكريين الخبراء في المنظومات الصاروخية، لم يؤد إلى توقف البرنامج الصاروخي، بل على العكس زادت سرعته بشكل واضح”.
وتابع: “لذلك، بتقديري كل حروب الظل التي قامت بها إسرائيل وإيران تقول بأنه كان هناك ردود في ذات المساحة الرمادية، ولكن قواعد الاشتباك بين الطرفين نشأت هنا في مساحة الظل، لذلك قواعد الاشتباك ستبقى تحكم معارك الظل، ولكنها ليست القواعد الوحيدة، فهناك الآن قواعد بعد أن خرج جزء من المعركة بين الطرفين إلى مساحة العلن، وبرأيي نشأت الآن قواعد ردع وليست قواعد اشتباك”.
ويتوقع أن “إيران ستجمع بين الأثنين معا، بمعنى قواعد الاشتباك التي صكتها في مراحل الظل مع قواعد الردع التي صكتها في مراحل العلن، ولكن الفصل بينهما بأن قواعد الاشتباك في المساحة الرمادية، تبقى حاضرة كتكتيك في حروب الظل والمنطقة الرمادية، ولكن قواعد الردع هي أكثر أهمية بالنسبة لإيران؛ لأن النفوذ الإيراني الإقليمي هو الذي يؤمن غطاء للأمن القومي الإيراني، ولا بد من عملية ردع تؤمن إعادة التموضع عسكريا في سوريا بعد انكشاف التموضع من قبل إسرائيل، وهذا يحتاج إلى ردع وازن، وقد قامت به إيران بعد ضرب القنصلية”.
وكانت إيران قد شنت في 13 نيسان/أبريل الجاري أول هجوم عسكري مباشر في تاريخها على الاحتلال الإسرائيلي، وأطلقت عليه اسم “الوعد الصادق”.
وأعلنت إيران عبر تلفزيونها الرسمي إطلاق مسيرات وصواريخ باليستية من أراضيها باتجاه الاحتلال، ردا على استهداف الاحتلال للقنصلية الإيرانية في العاصمة السورية دمشق مطلع الشهر الجاري.
وتوعد الاحتلال الإسرائيلي بالرد على الهجوم بشكل قوي، وجاءت هذه التهديدات على لسان عدة مسؤولين إسرائيليين على رأسهم نتنياهو ووزير الحرب.
وبحسب رواية الاحتلال، فإنه تم التصدي لـ99 بالمئة من الصواريخ والمسيرات الإيرانية، في حين أكد التلفزيون الإيراني إصابة نصف هذه الصواريخ والمسيرات الأهداف التي أطلقت لأجلها.