مقالات وتقارير
دمج “قسد” في الدولة السورية.. فرصة أم تهديد لتركيا؟

تناول تقرير لشبكة الجزيرة القطرية تحليلًا للموقف التركي من الاتفاق الذي وقّعه الرئيس السوري أحمد الشرع مع قائد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) مظلوم عبدي، والذي ينص على دمج “قسد” ضمن مؤسسات الدولة السورية.
وأثار الاتفاق جدلًا واسعًا في الأوساط التركية، حيث كان يُنظر إلى “قسد” باعتبارها تهديدًا للأمن القومي التركي، لكن إعادة دمجها تحت سلطة دمشق، التي باتت حليفًا لأنقرة، يفتح الباب أمام سيناريوهات جديدة قد تُغيّر موازين القوى في المنطقة.
تفاؤل حذر في أنقرة
لم يصدر تعليق رسمي من أنقرة حتى الآن، لكن وكالة رويترز نقلت عن مسؤول تركي أن بلاده تتعامل مع الاتفاق بـ”تفاؤل حذر”، مشيرًا إلى أن تركيا تريد رؤية آلية التنفيذ قبل اتخاذ موقف نهائي. وأكد المسؤول أن الاتفاق لا يغيّر من التزام أنقرة بمكافحة “الإرهاب”، ولا من موقفها تجاه وحدات حماية الشعب الكردية، التي تعتبرها امتدادًا لحزب العمال الكردستاني.
ويعتقد الباحث في الشأن التركي، علي أسمر، أن الصمت التركي ربما يعكس رضا مشوبًا بالحذر، مشيرًا إلى أن أنقرة كانت على دراية بالمفاوضات بين دمشق و”قسد” وواشنطن، لكنها فضّلت التريث ومراقبة التطورات قبل إعلان موقفها. ويرى أسمر أن تزامن الاتفاق مع الحديث عن انسحاب أميركي محتمل من المنطقة قد يشير إلى إعادة ترتيب التحالفات الإقليمية وفرض وقائع جديدة.
الاتفاق.. مكاسب سياسية أم تهديد أمني؟
رغم أن الاتفاق يؤكد على وحدة الأراضي السورية ومكافحة تنظيم الدولة الإسلامية، وهي نقاط تتماشى مع المصالح التركية، إلا أن الإشكالية تكمن في عدم وضوح آلية دمج “قسد” في مؤسسات الدولة، بحسب أسمر.
ويحذّر الباحث من أن عدم تفكيك “قسد” قبل دمجها قد يؤدي إلى نشوء كيان عسكري داخل الجيش السوري، على غرار “الحشد الشعبي” في العراق، مما قد يهدد استقرار سوريا وينعكس سلبيًا على الأمن القومي التركي، ويدفع أنقرة إلى اتخاذ إجراءات وقائية، مثل إنشاء منطقة عازلة على الحدود.
أما الباحث في مركز “سيتا” للأبحاث، كوتلوهان قورجو، فيرى أن الاتفاق يحمل دلالات سياسية هامة، أبرزها أنه لم يُرفع خلال مراسم التوقيع سوى العلم السوري، ولم يُلقَّب قائد “قسد” مظلوم عبدي بـ”جنرال”، بل أُشير إليه بصفته “السيد مظلوم عبدي”، وهو ما اعتبره مؤشرًا على تقليص رمزية “قسد” ككيان مستقل وإعادة تأطيرها ضمن النظام السوري.
كما أن غياب أي إشارة إلى “الحكم الذاتي” أو “الفدرالية” في الاتفاق يُعد مكسبًا سياسيًا لكل من دمشق وأنقرة، ويعكس تغيّرًا في خطاب “قسد” السياسي.
انعكاسات إقليمية محتملة
يشير قورجو إلى أن الاتفاق أضعف النفوذ الإسرائيلي في شمال سوريا، حيث كانت تل أبيب تسعى لاستخدام “قسد” والطائفة الدرزية كورقة ضغط ضد دمشق، لكن التوجه نحو المصالحة مع الحكومة السورية قلّص من هذه الأوراق. ومع ذلك، قد تدفع هذه التطورات إسرائيل للبحث عن أدوات جديدة لتعزيز نفوذها الإقليمي.
لكن رغم هذه المكاسب المحتملة، يُحذر قورجو من أن استمرار وجود عناصر مرتبطة بحزب العمال الكردستاني داخل “قسد”، أو بقاء أي تهديد أمني، قد يدفع أنقرة إلى إعادة النظر في موقفها، مشددًا على أن الخيار العسكري سيظل مطروحًا إذا لم يتحقق الهدف الأساسي من الاتفاق، وهو تفكيك البنية العسكرية للقوات الكردية.
ويشير الباحث الأمني مراد أصلان إلى أن نجاح الاتفاق يتوقف على مدى قدرة دمشق وحلفائها، وعلى رأسهم أنقرة، على تحصينه ضد أي تدخلات خارجية، محذرًا من أن استمرار الدعم الإسرائيلي لـ”قسد” قد يُشكل عائقًا رئيسيًا أمام تنفيذه.
ختامًا.. اتفاق محفوف بالتحديات
يمثل الاتفاق بين دمشق و”قسد” تحولًا مهمًا في المشهد السوري، لكنه لا يزال محفوفًا بالتحديات، سواء بسبب الضغوط الخارجية أو المخاوف الأمنية التركية. وبينما تأمل دمشق في تعزيز سيادتها على كامل الأراضي السورية، تراقب أنقرة عن كثب مدى التزام “قسد” ببنود الاتفاق، وسط احتمالات مفتوحة لأي تصعيد قد يُغيّر قواعد اللعبة في المنطقة.