مقالات وتقارير
هل يشهد قطاع غزة “هجرة طوعية” ؟

تتصاعد المخاوف والشكوك في قطاع غزة بشأن مخططات إسرائيلية تهدف إلى تشجيع هجرة السكان، بالتزامن مع ترويج شائعات عن “هجرة طوعية” عبر مطار رامون الإسرائيلي إلى دول أجنبية. يأتي ذلك في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية على القطاع للشهر الثامن عشر على التوالي.
ففي خطوة أثارت قلقًا واسعًا، صادقت الحكومة الإسرائيلية في 23 مارس/آذار 2025 على مقترح وزير الجيش يسرائيل كاتس بإنشاء “إدارة خاصة” مهمتها الإشراف على ما وصفته إسرائيل بـ”الانتقال الطوعي” لسكان غزة إلى دول ثالثة. وأوضح مكتب الوزير أن هذه الإدارة ستعمل بالتنسيق مع منظمات دولية وكيانات أخرى لتسهيل “الانتقال الآمن والخاضع للمراقبة”، بما في ذلك تأمين حركة المغادرين، وإنشاء مسارات انتقال وفحص أمني في معابر غزة، بالإضافة إلى تنسيق البنية التحتية اللازمة للسفر برًا وبحرًا وجوًا إلى الدول المستقبلة.
يُذكر أن هذا التحرك الإسرائيلي جاء بعد مقترح مماثل طرحه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في فبراير/شباط 2025، والذي دعا إلى سيطرة أمريكية على غزة ونقل الفلسطينيين إلى دول مجاورة، وهو ما قوبل برفض قاطع من مصر والأردن والدول العربية.
وفي سياق متصل، ومع استمرار الحرب التي بدأت في أكتوبر/تشرين الأول 2023، تمكن بالفعل أكثر من 120 ألف فلسطيني، معظمهم من حملة جنسيات أجنبية، من مغادرة القطاع عبر معبر رفح البري. وتشير تقديرات إلى أن عدد الفلسطينيين مزدوجي الجنسية في غزة يصل إلى 300 ألف شخص.
حملة تضليل وشائعات “للهجرة الطوعية”:
خلال الأيام القليلة الماضية، نشطت جهات مجهولة في ترويج معلومات مضللة تهدف إلى إغراء السكان على الهجرة من غزة، واتخذت هذه الحملة أشكالًا مختلفة:
- صفحات وهمية ممولة: ظهرت صفحات على وسائل التواصل الاجتماعي تستهدف سكان غزة وتشجعهم على العمل في دول أجنبية مثل كندا.
- الترويج لمحامٍ إسرائيلي: تم الترويج لتوكيلات قانونية لمحامٍ إسرائيلي يُدعى يورام يهودا، زاعمين أنه يساعد في تقديم طلبات سفر للخارج.
- رسائل نصية من الجيش الإسرائيلي: تلقى مواطنون في غزة رسائل نصية من الجيش الإسرائيلي تدعوهم للتوجه إلى نقاط محددة لفحص إمكانية الهجرة.
- ادعاءات بالتنسيق مع منظمات دولية: روجت حسابات بأن عملية السفر تتم بالتنسيق مع منظمتي الصحة العالمية والصليب الأحمر، وأن هناك تجمعات للمواطنين في دير البلح تمهيدًا لمغادرتهم عبر معبر كرم أبو سالم.
- مزاعم باستقبال دول أوروبية للمهجرين: انتشرت شائعات بأن دولًا أوروبية بدأت بالفعل في استقبال فلسطينيين يتم تهجيرهم من غزة، وزعمت بعض الحسابات أنه يتم توقيع أوراق تتضمن التخلي عن الهوية الفلسطينية.
الحكومة في غزة تنفي وتتهم إسرائيل بالتضليل:
من جانبه، أكد المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أنه يتابع هذه المنشورات والمعلومات “المضللة” التي يتم تداولها حول ترتيبات مزعومة للهجرة الجماعية. واتهم “شخصيات جدلية” بالتعاون مع جهات خارجية، وعلى رأسها الاحتلال الإسرائيلي، في الترويج لهذه الأكاذيب.
وشدد المكتب الإعلامي على أن هذه المعلومات “عارية تمامًا عن الصحة”، وأن الهدف منها هو تجميل مخططات التهجير القسري التي فشل الاحتلال في فرضها بالقوة، ويسعى الآن لتمريرها بأساليب “ناعمة مكشوفة” من خلال حسابات وهمية وترويج “وهم الهجرة الآمنة” التي يمولها الاحتلال.
وأوضح أن الحالات “القليلة” التي غادرت غزة مؤخرًا هي حالات معروفة تمامًا وتقتصر على المرضى والجرحى الذين أتموا إجراءات السفر لتلقي العلاج عبر معبر كرم أبو سالم، وليسوا مهاجرين.
المنظمات الدولية تسهل سفراً محدوداً لحالات إنسانية:
في المقابل، أكدت مصادر أمنية في قطاع غزة لـ”عربي بوست” أن ما يتم ترويجه عن “هجرة طوعية” غير صحيح. وأوضحت أن هناك حركة سفر محدودة تتراوح بين 150 و 300 شخص يوميًا عبر معبر كرم أبو سالم، بإشراف منظمتي الصحة العالمية والصليب الأحمر، وتقتصر على حالات محددة تشمل:
- الجرحى والمرضى الذين يتم التنسيق لسفرهم لتلقي العلاج بعد إغلاق معبر رفح.
- حالات لم الشمل وأقارب الدرجة الأولى لفلسطينيين مقيمين في دول أوروبية.
وأكدت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أنها سهلت بالفعل حالات محدودة لنقل أفراد عائلات مواطنين ومقيمين دائمين في دول أخرى إلى معبر كرم أبو سالم بناءً على طلب الخدمات القنصلية لتلك الدول، حيث يتم استقبالهم من قبل موظفي القنصليات لمواصلة سفرهم.
فرنسا تسهل إجلاء أكاديميين ونخب.. ونفي للتواطؤ في التهجير:
في سياق متصل، أثيرت أنباء عن تواطؤ فرنسا في مخطط تهجير سكان غزة، وكشف المرصد الأورومتوسطي عن إجلاء فرنسا لـ 110 من الأكاديميين والنخب بطريقة غير معلنة عبر مطار رامون والأردن إلى فرنسا.
إلا أن وزارة الخارجية الفرنسية أكدت أنها ساعدت في إجلاء 115 شخصًا من غزة وصلوا بالفعل إلى فرنسا، مشيرة إلى أنهم شملوا طلاب سابقين حصلوا على منح، وأكاديميين درسوا في فرنسا، وأشخاصًا مرتبطين بنقابة الفنانين التشكيليين الفرنسية، وحالات لم شمل. ونفت إحدى الشابات اللواتي تم إجلاؤهن التوقيع على أي أوراق تتعلق بعدم العودة إلى غزة، مؤكدة عودتها بعد التخرج.
شكوك حول تسهيل الهجرة عبر محامين إسرائيليين:
تداولت حسابات أرقامًا تدعي تقديم استشارات قانونية للهجرة “الطوعية”، من بينها رقم لمحامٍ إسرائيلي يُدعى يورام يهودا، الذي تبين أنه مختص بقضايا أخرى وله سوابق. ورجحت مصادر أمنية في غزة أن هذه الأرقام تعود لجهات استخباراتية إسرائيلية بهدف جمع معلومات عن السكان.
رفض شعبي لرسائل الجيش الإسرائيلي بشأن الهجرة:
في محاولة أخرى لإغراء السكان، أرسل الجيش الإسرائيلي رسائل نصية تدعوهم للتوجه إلى “محور نتساريم” لفحص إمكانية الهجرة. لكن وزارة الداخلية في غزة حذرت المواطنين من التعاطي مع هذه الرسائل، مؤكدة أنها أساليب تضليل واستدراج للحصول على معلومات أمنية، ولم تسجل أي استجابة من المواطنين لهذه الدعوات.
ختامًا، يبدو أن مخططات “الهجرة الطوعية” الإسرائيلية تواجه رفضًا شعبيًا وتشكيكًا واسعًا في قطاع غزة، وسط اتهامات لإسرائيل وحلفائها بالترويج لشائعات مضللة لتحقيق أهدافها في تقليل عدد سكان القطاع. وتؤكد المصادر الرسمية والدولية أن حركة السفر المحدودة تقتصر على الحالات الإنسانية والعائلية، ولا ترقى إلى مستوى “الهجرة الجماعية” التي يتم الترويج لها.
المصدر : وكالات – عربي بوست