عربي
الجريمة التي هزَّت سوريا ودفعت رامي مخلوف للمطالبة بـ”العدالة”.. لماذا قتل رجل بناته وانتحر في طرطوس؟!
هل أنهى الكاتب والأديب السوري غدير سلام حياته بالفعل بعدما قتل بناته في مدينة طرطوس، أم أنه كان ضحية جريمة مدبرة، أبطالها قادة في ميليشيات مرتبطة بالنظام السوري؟ هذا ما يتساءل بشأنه السوريون الذين صُدموا بخبر الجريمة الجماعية، في 27 سبتمبر/أيلول 2020.
كان خبر انتحار شاعر وأديب سوري بعد قتل بناته الثلاث صادماً للشارع السوري، ولكن قبل أن يقدم على فعلته نشر على صفحته الشخصية على موقع فيسبوك أنه تلقّى تهديدات بقتل أسرته وحرقها، من قبل “نافذين” لدى نظام الأسد، أحدهم برتبة لواء.
منشور غدير سلام
في مساء 27 سبتمبر/أيلول، كتب منشوراً على فيسبوك، أوضح فيه أسباب إقدامه على الجريمة، وقال فيه:
الأصدقاء الأعزاء: عندما تقرأون أكون انتحرت وقتلت بناتي، بسبب تهديدات المدعو أحمد ديرة أبو ياسر، يقطن طرطوس، والأصل من الغاب في حماة، والذي سأرفق صورة صفحته وبعضاً من صور صفحته على الفيسبوك، وتهديداته، نتيجة لعمل طلبه ولم أتمكن من إنجازه في الوقت المحدد، في 27 من الشهر، أي اليوم.
وخلافنا كان على 3 ساعات تأخير، أي للساعة التاسعة ليلاً كأقصى حد، ولأسباب قاهرة يعرفها، وشرحتها له تفصيلياً، ولم يحاول تقبلها أو تفهمها، علماً أني ذكرتها له في رسالة مطولة على ماسنجر الفيسبوك أولاً، وأكملت الشرح وتأكيد التأخير القاهر اليوم.
لكنه لم يتقبل ذلك بسبب جماعته التي تضغط عليه، حسب قوله. تهديدات أحمد كانت بخصوص قتلي وقتل بناتي وحرقنا كما هو موضح في تسجيل صوتي له في التاب الخاص بي، وهو تسجيل اليوم، وهو ومَن وراءه قادرون على ذلك.
كما ذكر سلام في المنشور أن أحد الأسباب التي دفعته للانتحار هو خيانة أخيه وصديق له، حين كانا متطوعين في “الفيلق الخامس” منذ 3 سنوات، حيث سرقوا أسلحة وذخيرة من الفيلق، وباعوها لجهات لا يعرفها، من ضمنها صواريخ مضادة للدروع، كما أقرّ بذلك أخوه بعد الكثير من الإنكار، على حد قوله.
وتابع:
“كذلك يشترك معه (أي مع عديرة) المدعو بنيامين الكردي أبو المقداد، الذي يعمل كل شيء، لكن بالاحتيال، ويسكن دوير الشيخ سعد.. وأحمد عديرة يعمل لدى قريبه (موزع جملة)، واسم قريبه حسن رزوق أبوعلي، صاحب شركة اللوتس للتجارة. ملاحظة: بالنسبة لأحمد عديرة إن كان صادقاً فالضغط من الجماعة التي تطلب منه ناتج عملي، بالإضافة لسبب آخر وهو خيانة أخي فراس حافظ سلامة، والدته هيام، ورفيقه عصام محمد، عندما كنا متطوعين في الفيلق الخامس منذ 3 أعوام، حيث سرقوا أسلحة وذخيرة من الفيلق، وباعوها لجهات لا أعرفها، ومنها صواريخ مضادة للدروع، كما أقرّ لي أخي بعد الكثير من الإنكارات. وأعتقد أن هذه الجهات ستبيعها للمسلحين آنئذ في منطقة حلفايا، قرب محردة، وما بعد وقبل مرحلة حلفايا الزلاقيات وغيرها، تحت قيادة العميد عصام خير بك، الذي نهب معظم حلفايا وما قبلها وما بعدها، وكان ذلك بمعية العديد من العناصر في الفيلق هناك، عن طريق ما يسمى بالتعفيش.. وموضوع الخيانة لم أتحمله مطلقاً.. في التاب الخاص بي موجود معلومات كثيرة في بداية الملاحظات”.
وأشار سلام إلى أن التهديد الذي تلقاه موجود في تسجيل صوتي على جهاز “تاب” عائد له، فضلاً عن معلومات أخرى توضح الأسباب الكاملة للجريمة.
لكن تم حذف هذا المنشور من صفحته على فيسبوك بعدها بفترة قصيرة، ثم حذفت الصفحة بالكامل.
فمن هو غدير سلام، ومن هي جماعته التي تضغط على أحمد عديرة للحصول على “ناتج عمل سلام”، وما هو أصلاً هذا العمل الذي بسببه حصلت هذه المجزرة؟
غدير سلام مدرس رياضيات وكاتب قصصي وشاعر معروف في مدينة طرطوس، وهو من مواليد 1966، كان متطوعاً بالفيلق الخامس المدعوم من روسيا، أي لأنه كان تابعاً لميليشيات نظام الأسد، ويصفه بعض السوريين على مواقع التواصل الاجتماعي بـ”شبيح النظام”.
التصريحات الرسمية
بحسب الوكالة العربية السورية للأنباء، أوضحت وزارة الداخلية ورود أخبار حول وقوع إطلاق نار في حي الجمعية بالمشروع السادس، فتوجهت دورية لمكان الحادث، حيث شوهدت امرأة على باب منزل مصابة بطلق ناري في ساقها اليسرى، تبين أنها تُدعى كفاح محمد علي، وهي زوجة صاحب المنزل المدعو مطاع سلامة (غدير سلامة) بن حافظ، مواليد 1966، محافظة حماة.
وأشارت الوزارة في بيان إلى أن الأب أطلق النار من بندقية حربية على الأم وبناتها الثلاث، شيماء (22 عاماً)، طالبة جامعية، وخزامة (20 عاماً)، طالبة معهد صناعي، وشادن (17 عاماً)، طالبة بالصف الثالث الثانوي، ثم أطلق النار على نفسه.
ولدى الدخول إلى المنزل تبيّن أن الأب فعلاً ميت مع بناته، وتم إحضار هيئة الكشف القضائي والطبي.
ولفتت الوزارة إلى أن التحقيق الأوَّلي كشف عن أن هناك “خلافات مادية” مع “أحمد.ع”، وشخص آخر يُدعى “بنيامين.ك”، اللذين أقدما على تهديده، وقد قُبض عليهما وما زالت التحقيقات مستمرة معهما.
تشكيك بالمنشور
لكن الأمور تزداد تعقيداً، إذ حذف المنشور بعد فترة قصيرة من نشره يثير احتمال اختراق الحساب من قبل شخص ما، ناهيك عن تشكيك البعض في أسلوب صياغة المنشور، التي لا تليق بشاعر وكاتب.
على الصفحة نفسها كان غدير سلام كتب منشوراً ليلة وفاته، بعنوان “منوعات وحصيلة حياة”، وهو الجزء الـ6 من سلسلة كتبها سلام تحت هذا العنوان، تحدث فيها عن الحرب على سوريا في إطار تحليلي، وقد ختم منشوره بعبارة “ربما يتبع”.
وكان قد ختم الجزء الـ5 من السلسلة ذاتها بعبارة “قد يتبع”، بخلاف الأجزاء السابقة التي كان يختمها بكلمة “يتبع” فقط.
موقع “روسيا اليوم” نشر أن التحقيقات الجنائية الأولية كشفت وجود 4 رصاصات في جثة الأب، لتنسف نظرية الانتحار وترجح كفة نظرية استيلاء شخص آخر على صفحة غدير سلام، ونشر تدوينة تذكر أسماء بعينها معروفة بعلاقتها الوطيدة بنظام الأسد بهدف التضليل.
إذ تبيّن أن العميد عصام خير بك هو شقيق اللواء الراحل، ومعاون نائب رئيس الجمهورية ناصيف خير بك، وقد شغل عصام منصب مدير مكتب وزير الدفاع مصطفى طلاس لأكثر من 15 عاماً.
أما المدعو أحمد عديرة فهو بحسب المنشور يعمل موزع جملة لشركة اللوتس التجارية، وهي شركة توزيع عطور وألبسة وإكسسوارات بحسب الدليل الرسمي.
النظام السوري يحمي “أثرياء الحرب”
الجريمة سواء كانت قتلاً أم انتحاراً تزامنت مع تصعيد جديد لرجل الأعمال وابن خال بشار الأسد رامي مخلوف.
إذ اتهم مخلوف النظام بأنه يدير أكبر عملية نصب في الشرق الأوسط “بغطاء أمني لصالح أثرياء الحرب”.
كتب مخلوف في منشور على صفحته الشخصية في فيسبوك:
“أكبر عملية نصب في الشرق الأوسط بغطاء أمني لصالح أثرياء الحرب الذين لم يكتفوا بتفقير البلاد، بل التفتوا إلى نهب المؤسسات الإنسانية ومشاريعها من خلال بيع أصولها وتركها بلا مشاريع ولا دخل، لتفقير الفقير ومنعه من إيجاد منفذ للاستمرار”.
وتابع مخلوف: “صدقوني، إن الظلم الحاصل سيكون حسابه مختلفاً بكثير ما بين قبل وبعد هذا الحدث”.
وأشار مخلوف في منشوره إلى تجاهله من طرف النظام، وقال: “لذلك وبعد إرسال عدة كتب للحكومة دون جواب، أرسلت اليوم كتاباً إلى رئيس مجلس القضاء الأعلى لأضع بين يديه هذا الموضوع، لمعالجته وإعادة الحقوق لهؤلاء الفقراء الذين لم يتبقَّ لهم إلا هذه المؤسسة ومشاريعها لرعايتهم”.
وأضاف: “كلنا ثقة برئيس مجلس القضاء الأعلى أنه سيعالج الأمر بكل حكمة وعدل وحزم، وبالأخص كونها قضية مجتمع بأكمله تتضرر كثيراً من جراء هذه الجريمة البشعة، التي طالت أفقر شريحة في المجتمع السوري”.
كما تابع مخلوف منشوره قائلاً: “لقد أسّسنا كل هذه الشركات على مدى ثلاثين عاماً، وهي تحتوي على مشاريع كبيرة وكثيرة، وكلها منتجة وفاعلة، ونقلنا ملكيتها إلى مؤسسة راماك للمشاريع التنموية والإنسانية التي هي بمثابة وقف”.
واستكمل منشوره: “حرمنا أنفسنا وعائلتنا وأولادنا من ملكية هذه الشركات وأرباحها، ووهبناها لخدمة الفقراء والمحتاجين، الذين وللأسف أصبح كثير منهم تحت خط الفقر. لم نفعل كل ذلك ليأتي هؤلاء المجرمون المرتزقة الخائنون لبلدهم وشعبهم وقيادتهم (أثرياء الحرب) ليحرموا بسرقتهم وجشعهم وتسلطهم شريحة كبيرة من المجتمع السوري من هذه المشاريع وعائداتها”، حسب وصفه.
وختم مخلوف: “الموضوع واضح وجلي، وإنصاف هؤلاء الفقراء بين يدي رئيس مجلس القضاء الأعلى، والله الرقيب”.
وفي 27 سبتمبر/أيلول 2020، أقرّ مخلوف بتأسيس عدة شركات كواجهة في الخارج لمساعدة الأسد في التحايل على العقوبات الأمريكية، التي طالت مخلوف.
جدير بالذكر أن الأزمة بين رامي مخلوف والأسد ظهرت للعلن في أبريل/نيسان 2020، عندما ندّد مخلوف بقرار الحكومة السورية بفرض ضرائب على شركته سيرياتيل؛ أكبر شركة للهاتف المحمول في سوريا.
ويتربع مخلوف، الذي تُقدر ثروته بمليارات الدولارات، على رأس إمبراطورية اقتصادية تشمل أعمالاً في قطاعات الاتصالات والكهرباء والعقارات.
المصدر : عربي بوست – وكالات