Connect with us

السياحة في تركيا

تعرّف قصّة “نصب الجمهورية” الشهير في ميدان تقسيم بإسطنبول

Published

on

منذ وُضع النّصب الذي أُطلق عليه “نصب الجمهورية” وسط ميدان تقسيم بإسطنبول في 8 أغسطس/آب عام 1928، أصبح رمزاً ومَعلماً سياحياً يلتقط الصّور أمامه كلُّ من يزور المدينة.

في أعقاب الانتصارات التي حققها الشعب التركي بقيادة مصطفى كمال أتاتورك على الاستعمار الغربي في حرب التحرير والاستقلال بين عامي 1919 و1923، أُعلن تأسيس الجمهورية التركية الحديثة في 29 أكتوبر/تشرين الأول 1923. وأُولي فنّ الرسم والنحت أهمية خاصة، وصارت تماثيل المؤسس أتاتورك التي تصوّر نجاحاته العسكرية والسياسية تزيّن ميادين المدن والقرى في شتّى أنحاء البلاد.

وفي مدينة إسطنبول، أكبر مدن الجمهورية التركية، ظهرت الحاجة إلى وجود ميدان وساحة كبيرة من أجل الاحتفال بالأيام والأعياد الوطنية. وفي عام 1925 وقع الاختيار على ميدان تقسيم الواقع في حي “باي أوغلو” في القسم الأوروبي للمدينة، وارتأت اللجنة المشرفة إقامة نصب كبير لا يخلّد روح مقاومة ونضال الشعب التركي بقيادة أتاتورك ورفاقه بالسلاح وحسب، بل خطط وطموحات الجمهورية اليافعة في طريقها لأخذ مكانتها في ركب الحضارة.

ومنذ وضع النّصب الذي أُطلق عليه “نصب الجمهورية” وسط ميدان تقسيم بإسطنبول 8 أغسطس/آب عام 1928، أصبح رمزاً ومعلماً لمدينة إسطنبول. ولغاية يومنا الحالي، لا بد أنّ كلّ من زار إسطنبول قد مرّ بجوار النّصب عدة مرات أو حتى التقط الصوّر بحضرته، وأبدى ذهوله بجماله وضخامته فضلاً عن روعته ودقة تفاصيله، وراح يبحث عن التاريخ والأحداث التي يخلّدها، بالإضافة للرموز والشخصيات التي يخلدها.

بداية الحكاية

في السنوات الأولى من عمر الجمهورية التركية، وبعد تغيير اسم الشارع الواصل إلى ميدان تقسيم من “الشارع الكبير” إلى “شارع الاستقلال”، تولّت بلدية إسطنبول برئاسة الوالي ورئيس البلدية آنذاك، محي الدين أوستونداغ، تأسيس لجنة من أجل إقامة صرح ونصب ضخم يروي حكاية حماسة الجمهورية اليافعة وحرب الاستقلال للأجيال القادمة بلغة أكثر حداثة.

وبعد اتخاذ القرار وتحديد مكان النصب، أُسندت المهمة إلى النّحات الإيطالي الشهير بيترو كانونيكا مقابل 16 ألف و500 جنيه إسترليني. يُذكر أنّ كانونيكا قابل مصطفى كمال أتاتورك أكثر من مرة في أنقرة وصنع العديد من المنحوتات له أيضاً. وبعد الاتفاق مع النّحات الإيطالي وقّع العقد رسمياً، وجرى الاتفاق على أن يدفع المبلغ على أقساط، نظراً لأن المبلغ كبير.

حدثت تطورات بعد عودة النحّات إلى ورشته في إيطاليا، إذ إنّ الجمهورية الفتيّة لم تكن تملك هذا القدر من المال الذي كان يُعتبر كثيراً جداً في تلك الفترة. ولذلك، اتُّفق على أن يُموّل المشروع من خلال حملة تبرعات شعبية تنظمها بها بلدية إسطنبول، وما أن بدأت الحملة حتى هبّ الشعبُ والمؤسسات والشركات بتقديم التبرعات كلٌّ على قدر قدرته وإمكانياته.

ولم تكتفِ البلدية بعمل النصب فقط، بل كلّفت المعماري الكرواتي جوليو مونجيري بتصميم وتنظيم الميدان والساحة من حول النصب أيضاً.

وبينما كان بيترو كانونيكا يعدّ المنحوتات في إيطاليا، أقيمت مسابقة في كلية الفنون الجميلة في إسطنبول، ليتم اختيار متدرب للعمل بجانب كانونيكا، فاز على إثرها النحاتان صبيحة بن غطاس وهادي بارا، في إشارة واضحة لمساواة الجمهورية بين الجنسين.

رموز وشخصيات “نصب الجمهورية”

سرعان ما بدأ بيترو كانونيكا في صنع التمثال في ورشته في تورينو، واستمر العمل قرابة العامين والنصف. وفيما يخصّ أسلوب التصميم، فقد جمع كانونيكا بين قِيم الجمهورية الفتية وأسلوبه الخاص والفنّ التركي الكلاسيكي.

ولغاية يومنا الحالي، يرتفع “نصب الجمهورية” على قاعدة عريضة تتكون من أنصاف دائرة وأقواس في منتصف ساحة مستديرة. والنّصب عبارة عن كتلة مستطيلة يبلغ ارتفاعها 11 متراً، مغطّاة بالرّخام الوردي والأخضر ومزدحمة بتماثيل تخلّد أبرز شخصيات الجمهورية الفتية وأبطال حرب التحرير والاستقلال، وتتكون من أقواس صغيرة وكبيرة ذات زوايا مغلقة، محددة بأقواس مدببة على أربعة وجوه.

تصور الجهة الشمالية للنصب مقاومة ونضال الشعب التركي إبّان حرب التحرير والاستقلال بقيادة أتاتورك بالزي العسكري، للرمزية على دوره كقائد عسكري. بينما الجهة المواجهة للجنوب ترمز للدور السياسي والدبلوماسي الذي أسس للجمهورية التركية الحديثة، من خلال تصوير مصطفى كمال أتاتورك بملابس مدنية وإلى جواره رئيس وزرائه عصمت إينونو ورئيس الأركان العامة الفريق فوزي تشاكماك، فضلاً عن وجود جنرالان روسيّان خلفهما مباشرة، هما ميخائيل فاسيليفيتش فرونزي بملابس مدنية وكليمنت فوروشيلوف بملابس عسكرية، وذلك في إشارة إلى الدعم الذي قدّمه السوفييت للأتراك خلال فترة النضال الوطني.

وبينما يوجد بورتريه لامرأة محجبة فوق الجندي الذي يحمل الراية في الجهة الشرقية، هناك بورتريه لفتاة غير محجبة فوق الجندي الذي يحمل الراية في الجهة الغربية. وذلك في إشارة إلى احترام المرأة التركية ودورها البارز خلال حرب التحرير والاستقلال، فضلاً عن احترام المرأة التركية ولباسها التقليدي بالتزامن مع رؤية الجمهورية اليافعة نحو الحداثة والتحضّر.

ويصوّر “نصب الجمهورية” الشامخ في مقابل “شارع الاستقلال”، حكاية الجمهورية التركية اليافعة وانتقالها بحماس مِن الحرب إلى السّلام، وتوجهها نحو الحداثة والمستقبل المشرق.

فيسبوك

Advertisement