مقالات وتقارير
دول تسطو على الكمامات وأخرى على الكحول وثالثة تتجاهل جارتها.. هل أظهر كورونا أسوأ ما في أخلاق أوروبا؟
“في الحرب لا أخلاق”، وفي الحرب أيضاً البقاء للأقوى هكذا يسير العالم اليوم، حرب ضد عدو غير مرئي أزعج أقوى الدول العالمية، وأسقط مبادئ طالما تغنت بها شعوب دولٍ “ديمقراطية”، فأصبحت الأنانية والجشع سلطتين تحكمان العالم.
السطو على شحنة كمامات كانت متوجهة إلى ألمانيا، قرصنة باخرة كانت تحمل مواد كحولية طبية إلى تونس وتحويل وجهتها نحو إيطاليا، غضب في الاتحاد الأوروبي بسبب تجاهل البلدان لبعضها البعض.. كل هذه صور كشفت طبيعة “العالم المتحضر” في زمن الوباء، وأظهرت أنانية “ديمقراطيات” تغنى العالم برُقي وعيها، فهل عرت “كورونا” الوجه القبيح للعالم “المتقدم”؟
ساهم وباء كورونا الذي تحول إلى جائحة غزت أكثر من 180 دولة حول العالم في اكتشاف حقيقة النظام العالمي. فالأمر كانت بدايته باتهامات تقاذفتها الولايات المتحدة والصين حول المتسبب في انتشار الفيروس، وعوض لَمِّ الجهود لمُواجهة عدو خفي يُنهي العالم برزت نظرية المؤامرة.
حرب الكمامات
يعود أصل الحكاية إلى الـ24 من مارس/آذار 2020، حين اختفت شحنة 6 ملايين كمامة تُستعمل للحماية من فيروس كورونا المُستجد، والتي كانت في طريقها إلى ألمانيا.
مجلة “دير شبيغل” الألمانية قالت إن الكمامات من طراز ”FFP2” اشترتها وزارة الدفاع من إحدى الجهات، دون تحديدها، قد اختفت قبل وصولها للأراضي الألمانية في أحد المطارات بكينيا.
اختفاء شحنة الكمامات في فترة بدأ فيها الفيروس يغزو القارة الأوروبية دفع السلطات الألمانية إلى فتح تحقيق لمعرفة الطريق الثانية التي سلكتها شحنة الكمامات، والتي كان من المقرر أن تصل البلاد في 20 مارس/آذار.
متحدثة باسم وزارة الدفاع الألمانية أكدت صحة النبأ الذي نشرته المجلة، مشيرة إلى أن شحنة الكمامات تشكل جزءاً من إجمالي المستلزمات الصحية المطلوبة التي أبرمت بشأنها صفقة، بحسب المصدر ذاته.
الاستيلاء على الكمامات الألمانية ليس الحادثة الوحيدة في الحرب التي يعيشها العالم ضد عدُو خفي يتسلل للأجساد ويُنهيها، فإيطاليا التي تُعتبر من أكثر الدول تأثراً بكوفيد-19 أيضاً سُرقت منها شُحنة من الكمامات التي تبرعت لها بها الصين في جمهورية التشيك.
وأكدت صحيفة “لوباريزيان” الفرنسية بأن جمهورية التشيك قامت، فعلاً، بالاستيلاء على شحنة من المعدات الطبية، تضُم 680 ألف قناع وأجهزة للتنفس، كانت موجهة من الصين لدعم إيطاليا لمواجهة فيروس كورونا المستجد.
جمهورية التشيك اعترفت باستيلائها على شحنة كمامات من الصليب الأحمر من مقاطعة تشجيانج الصينية، والتي كانت مُتوجهة إلى العاصمة الإيطالية روما، وقالت على لسان وزارة الداخلية، بأن هناك “سوء فهم.. ولا مجال لإعادة المعدات بعدما تم توزيعها على المستشفيات في البلاد”.
“قرصنة” مُساعدات لتونس
ولأن مُواجهة كورونا هي حرب كما قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ولأن لا أخلاق في الحرب فإن عمليات السطو لم تكُن ضحيتها الدول المتضررة كإيطاليا فقط، بل أيضاً بعض الدول التي بدأ الفيروس ينتشر فيها كتونس.
تونس اتهمت بشكل مباشر إيطاليا بالاستيلاء على شحنة الكحول الطبية، إذ قال وزير التجارة التونسي محمد السيليني، في تصريح له، يوم الإثنين الماضي، على قناة “الحوار” التونسية بأن إيطاليا استولت على باخرة محمّلة بكحول طبي قادمة من الصين، كانت في طريقها إلى تونس.
أضاف الوزير في تصريحه أن “ما حدث للباخرة القادمة من الصين باتجاه تونس هو شبيه بسرقة التشيك لشحنة كمامات أرسلتها الصين إلى إيطاليا للمساعدة في مكافحة فيروس كورونا… وكلّ الدول الأوروبية اليوم تعيش حالة من الهستيريا وجميعها تسرق المعدّات خوفاً من هذا الفيروس”.
أيضاً، لم تسلم الصين، بؤرة الوباء، وأكثر الدول المُصنعة للمواد الطبية والشبه طبية من عمليات السرقة إذ وُجهت اتهامات لسلطات إحدى المدن بـ “سرقة” شحنة كمامات طبية مخصصة للمنطقة الأكثر تضرراً بالفيروس.
كما أفادت وسائل إعلام صينية رسمية، حسب وكالة “رويترز”، بأن سلطات مدينة دالي الواقعة في مقاطعة يونان جنوب البلاد، والتي رصدت فيها ثماني إصابات فقط بالفيروس الفتاك، “استحوذت بشكل طارئ” في وقت سابق من الأسبوع الجاري على الشحنة المخصصة لبلدية تشونغتشينغ حيث بلغ عدد المصابين 400 شخص.
طلبت سلطات تشونغتشينغ، حسب الإعلام الصيني، من حكام مدينة دالي إعادة الشحنة المؤلفة من 598 صندوقاً، فرفضوا بدعوى أن الكمامات وُزعت على المواطنين.
قيم الاتحاد الأوروبي.. قصة خرافية
“المشروع الأوروبي معرَّض للخطر.. التهديد الذي نواجهه هو القضاء على منطقة الشنغن”، كانت تلك تصريحات للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، نقلها عنه دبلوماسي أوروبي، وفق ما ذكرته وكالة “رويترز”.
ماكرون الذي تحدث بنبرة غاضبة سواء في تصريحات منقولة عنه، أو في خطاب أمام شعبه تعكس خيبة الأمل التي تعيشها عدد من دول الاتحاد الأوروبي والتي عبر عنها الرئيس الصربي، ألكسندر فوتشيتش بعد عزوف الاتحاد في مساعدة بلاده في مواجهة محنة كورونا.
وبنبرة غاضبة تحدث الرئيس الصربي عن التضامن العالمي قائلاً: “التضامن في الاتحاد الأوروبي قصة خرافية على الورق.. أملنا الوحيد في الصين”، معتبراً رئيسها شي جينغ “صديقاً وأخاً مقرباً لصربيا”.
وصب الرئيس الصربي غضبه على الاتحاد الأوروبي، الذي تخوض بلاده منذ سنوات مفاوضات للانضمام إليه، وشكا بحسرة من قرارات الاتحاد بمنع بلاده من استيراد المعدات الطبية بحجة عدم وجود ما يكفي لدول الاتحاد، مستذكراً أن زعماء الاتحاد كانوا يصدرون الأوامر لصربيا بعدم شراء البضائع من الصين.
إسبانيا أيضاً لم تسلم من جشع الاتحاد الأوروبي، فهي ثاني أكثر بلد تضرراً من انتشار كورونا في أوروبا بعد إيطاليا، إذ نشر رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، يوم الجمعة الماضي، عقب مشاركته في اجتماع قادة الاتحاد يُعبر فيه عن امتعاضه من نتيجة اللقاء.
وأوضح سانشيز، أن “الاتحاد الأوروبي لم يخرج بنتيجة من الاجتماع، وأنه لم يقدم شيئاً بخصوص المساعدة والمكافحة المشتركة حتى الآن، مضيفاً أنهم يواجهون أسوأ أزمة حالياً.. ومستقبل مشروع الاتحاد الأوروبي في خطر”.
إيطاليا.. هل من وفاء؟
تُعتبر إيطاليا من أكثر البلدان في العالم تضرراً من فيروس كورونا، فبالإضافة إلى الوباء الذي حول حياة الإيطاليين إلى جحيم يعيش البلد خيانة “عُظمى” من الاتحاد الأوروبي نسفت كل الاتفاقيات المُوقعة في بروكسيل.
وزير الخارجية الإيطالي، لويجي دي مايو، قال يوم الجمعة، في بيان نشره على حسابه بموقع فيسبوك، عقب القمة التي عقدها قادة الاتحاد الأوروبي حول التدابير الاقتصادية لمواجهة كورونا، إن بلاده تنتظر من شركائها الأوروبيين، فعلاً، الوفاء تجاه التحديات التي سببها تفشي وباء كورونا في البلاد.
وقال الوزير الإيطالي “ننتظر الوفاء من شركائنا الأوروبيين، وننتظر أداء أوروبا واجباتها، لأن الكلمات المنمَّقة لا تنفعنا”.
إيطاليا ليست الغاضبة الوحيدة من سياسات الاتحاد الأوروبي تجاه تدبير أزمة كورونا فالرئيس المجري فيكتور أوروبان، قال إن بلاده لم تتلق مساعدات من بلدان الاتحاد الأوروبي لمواجهة وباء كورونا كما هو منشود، في حين سارعت دول المجلس التركي، والصين لتقديم المساعدة.
الرئيس المجري اعترف في كلمته الأسبوعية التي بثت بالإذاعة الرسمية، بـ ” ضعف أداء الاتحاد الأوروبي في التصدي للفيروس، واشتكى من غياب التضامن بين الدول الأعضاء” قائلاً: “نحن أعضاء في الاتحاد الأوروبي، ونرغب في رؤيته قوياً، لكن علينا أن نقر بنقاط الضعف أيضاً”.
المصدر : عربي بوست