Connect with us

أخر الأخبار

تحية بايدن العسكرية لأردوغان ومغزاها

Published

on

خلال وقوف الرؤساء لالتقاط الصور التذكارية في قمة مجموعة العشرين، وأثناء تقديم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان التحية للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي يقف بجواره، تفاجأ الجميع بالرئيس الأمريكي يلوح بيده باتجاه أردوغان مناديا إياه أن يرد السلام عليه، وعندما استجاب الأخير وذهب إليه قدم الرئيس الأمريكي لأردوغان التحية العسكرية كما يجب أن تكون من عسكري مخضرم، ليرد عليه أردوغان بالسلام على طريقته بوضع يده على صدره.

ولفت هذا الأمر انتباه الحاضرين من رؤساء وزعماء أكبر اقتصادات العالم وكذا الصحفيين، الذين يغطون المؤتمر العالمي الكبير، فيما نقلت عدسات المحطات التلفزيونية العالمية هذه اللقطة المثيرة وتناقلها الناشطون على منصات التواصل الاجتماعي وفي ظل ثورة المعلومات والاتصالات صار المقطع من أكثر المقاطع مشاهدة في العالمين العربي والإسلامي، وحقق كذلك مشاهدات عالية في أوروبا وأمريكا، وعلق عليه عدد من الصحف والمواقع الغربية.

ولأن عالمنا العربي والإسلامي يتشوق لزعيم يرد له بعض ما أفقدته قياداته على مدى المئة عام الماضية، فقد استقبل العرب والمسلمون في عمومهم اللقطة بحفاوة وصلت حد الاحتفال بما وصلت إليه تركيا ومن يمثلها من تقدير العالم ولاسيما الدولة الأكبر في العالم من حيث الاقتصاد والقوة العسكرية والنووية ما أهلها لتكون قطبا أوحد في عالم حلم، ولايزال، بتعدد الأقطاب يكون للمسلمين نصيب فيه بما يمثلونه من قوة اقتصادية وموارد طبيعية وبشرية ومزايا جيوستراتيجية لا شك أنها تؤثر في خطط متخذ القرار في العالم، فيما لو كان قرار تلك الدول مستقلا.

ولأن قرارنا ليس بأيدينا فإن هذه الكتلة البشرية العظيمة وما تملكه من أوراق ضغط اقتصادية وجيوستراتيجية، سلمت على طبق من ذهب للغرب مقابل الحفاظ على العروش، فأعاد أردوغان الأمل للشعوب، لأنه في النهاية منتخب ولا ينتظر الحماية من أحد، فأعاد صياغة العلاقة على أسس المصالح المتبادلة، لذلك لا يمكن فهم تحية بايدن على النحو الذي نريد.

قضايا شائكة بين تركيا وأمريكا

قبل إقلاع طائرة الرئاسة التركية من مطار إسطنبول متوجهة إلى روما بساعات، كان الرد قاسيا من الإدارة التركية على سفراء الدول العشر الذين قدموا عريضة للمطالبة بالإفراج عن أحد الموقوفين على ذمة قضايا تمس الأمن القومي التركي، ففي الوقت الذي اعتادت تركيا دعوة سفراء العالم للاحتفال معها بذكرى تأسيس الجمهورية التركية، لم تشمل قائمة المدعوين سفراء الدول العشر، وعلى رأسهم سفير أمريكا في أنقرة، ولعل ذلك كان صفعة أخرى بعد مطالبة الرئيس التركي للسفراء العشر مغادرة الأراضي التركية، قبل أن يقدموا اعتذارا مكتوبا وهو ما يعد انتصارا لتركيا، كتبنا فيه مقال بعنوان (حرب استقلال حقيقية.. تركيا تنتصر على عشر دول).

هذه الأجواء التي سبقت زيارة الرئيس التركي إلى روما تضعنا في أجواء العلاقات بين تركيا والغرب وعلى رأسها أمريكا التي أدى رئيسها التحية العسكرية لأردوغان، ولكن هل كانت تلك التحية العسكرية إجلالا من بايدن لأردوغان على موقفه الشجاع الذي لم يجرؤ أحد رؤساء العالم على فعله من قبل، حتى رؤساء أوروبا الذين أهانهم ترامب منذ سنتين وطالبهم بالجزية، أم أن هناك ما هو أبعد، فذلك الرجل الأبيض الذي يرى في نفسه مرتبة أعلى من باقي البشر لا ينظر للأمور بهذه الطريقة، ولكن هناك قضايا شائكة بين الطرفين أراد الرئيس الأمريكي إذابة جبل الثلج قبل لقائه بأردوغان.

في لقاء أردوغان وبايدن على هامش قمة العشرين كان أغلب الحديث حول موضوع الطائرة (F35) التي استبعدت تركيا من الشراكة في تصنيعها وسحبت المعدات ولم تسلم الطائرتين الجاهزتين كانتا على وشك الشحن لتركيا في صيف 2020 رغم دفع تركيا ثمنهما بالكامل، بحجة شراء تركيا منظومة الدفاع الجوي الروسية الأحدث في العالم (S400) وتناسى الأمريكان سحبهم لبطاريات الباتريوت الأمريكية معرضين أمن تركيا للخطر في وقت تشهد تهديدات من جيران لها وجدوا دعما كبيرا من الغرب وأمريكا تحديدا في قضية غاز شرق المتوسط.

المبلغ الذي دفعته تركيا في مشروع تصنيع المقاتلة (F35) تجاوز الــ (1.4 مليار دولار) تريد الآن استرداده، ولأن الأمر سيحمل خزانة أمريكا عبئًا ولو كان بسيطا تريد أن تعوضه على طريقة التاجر الماهر برده بضاعة، لكن المشتري ليس أقل ذكاء من البائع فقد طلب أردوغان النسخة الأحدث من طائرات (F 16) والتي لا توجد في أي سلاح جوى سوى السلاح الجوي للعدو الإسرائيلي، ما يعني أن المشتري يحرج البائع الذي يضغط عليه اللوبي الصهيوني من أجل الإبقاء على فجوة القوة بين الكيان ودول جواره، وفي سبيل المزيد من الضغط خيّرَ الرئيس التركي بايدن بين أن يبيعه النسخة الأحدث من المقاتلة (F 16) أو العودة لمشروع تصنيع المقاتلة (F35).

وإن كانت الملفات الشائكة كثيرة إلا أن أبرز ما وضع على طاولة لقاء أردوغان بالرئيس الأمريكي كان ملف المقاتلة (F35) ولأن الملف كان ثقيلا فيمكن استشعار ثقل الملف من رد فعل الاحتلال الإسرائيلي، الذي جاء متهورا إذ سخر حساب سفارته في أنقرة من محادثات المقاتلة (F35) بين التركية الأمريكية مغردة على حسابها الرسمي في تويتر بأن (أمريكا سترسل للأتراك بالأموال التي دفعوها أيفون 13 بدلا من مقاتلة (F35) وبعد قرابة الساعة خرج حساب السفارة يعتذر مبررا أن الحساب قد تعرض للاختراق، لكن ما في القلب قد كشف، وعلى ذوي الألباب أن يفهموا.

ما يريده بايدن من أردوغان

لم يكن لقاء أردوغان بايدن في روما نزهة بحرية على شواطئ الريفيرا، كما لم يكن اللقاء من طرف واحد، يجمع فيه أردوغان الأهداف في شباك الرئيس الأمريكي، فقد كان للإدارة الأمريكية ورئيسها أيضا مطالب وضغوطات، وقدم مستعينا بقوته الاقتصادية والعسكرية وتعدد أوراق ضغطه شروطا، ولعل استباق أردوغان بطلب رحيل السفراء ورقة يذهب بها للقاء ساكن البيت الأبيض، قد سبقه الأخير بضربة اقتصادية بمعاونة حلفائه من الغرب ووكلائه من الشرق لليرة التركية.

فوضع الرئيس الأمريكي على طاولة اللقاء شروطا يعرف مسبقا أن أكثرها لن يستجاب له، نستعرض بعضها هنا لنقف على شكل العلاقة بين من أدى التحية العسكرية ومن تلقاها..

على رأس تلك الشروط حتى تعود العلاقات الاستراتيجية كما كانت، اعتبار تركيا موضوع تورط أمريكا في الانقلاب الفاشل، والذي كان أحد المخططين له أمريكا في عهد أوباما ومن أكثر المتحمسين له بايدن نفسه الانقلاب الفاشل بحكم المنتهي، وعدم تحميل أمريكا أي مسئولية ومن ثم الافراج عن مدبري الانقلاب، رجال أمريكا في تركيا، بحجة عدم توفر الأدلة لإدانتهم، مرتكنا إلى سابقة الإفراج عن القس الأمريكي في عهد ترامب.

يتبع ذلك إعادة المفصولين من ضباط و أفراد الجيش والشرطة، ما يعني إعادة بؤر الصديد إلى جسم تركيا المتعافي، وأيضا إطلاق سراح شبكة ” أوكتار” والتي تعمل لصالح الماسونية، بحسب مراقبين، وترتيبات الخطوات التركية في كل شؤونها التي تتقاطع مع أمريكا والغرب كالتنسيق في الملف السوري، بما في ذلك قبولا تركيا للوجود الإرهابي لميليشيا “قسد” الانفصالية، والتخلي عن مجموعة (البريكس) وما يتبعها من الانعتاق من العبودية للدولار في التعاملات البينية لدولها، والتنسيق مع أمريكا فيما يخص الغاز والبترول سواء الروسي أو الأذري أو العراقي أو حتى الإيراني باستثناءاته الممنوحة لتركيا، وكذا عمليات التنقيب عن الغاز شرق المتوسط يجب أن تكون برعاية أو حتى بأيد أمريكية.

أما عن شبكة العلاقات التي تفتحها تركيا الآن فمطلوب أيضا أن تكون محلا للوصاية الأمريكية، فيجب التنسيق مع واشنطن قبل الدخول الى الدول الإفريقية صناعيا أو تجاريا، وخاصة تلك الدول الإسلامية التي استطاعت تركيا بأدواتها الناعمة وضع قدم قوية فيها، وما يصدق على الصناعة والتجارة يصدق بالضرورة على الاتفاقات العسكرية سواء في صفقات الأسلحة أو بناء القواعد، ما يعني إغلاق السوق الإفريقي أمام السلاح التركي الذي تتنامى مدخلاته خلال الأعوام الأخيرة سواء على مستوى المعدات الثقيلة أو المسيرات، ما يشمل بطبيعة الحال وصاية أمريكية على قطاع التصنيع العسكري المقلق لواشنطن، في مشاريع تبدو حساسة وتنقل تركيا إلى فضاءات عالم الكبار.

أكرم إمام أغلو في اسكتلندا مع الموز

رفض الرئيس أردوغان المشاركة في قمة المناخ في اسكتلندا، فقامت الأمم المتحدة بتوجيه دعوة إلى أكرم إمام أوغلو لحضور القمة ممثلا عن إسطنبول وتركيا!

ونقلت وكالة “رويترز” عن وسائل إعلام تركية، أن الرئيس قد ألغى حضوره المؤتمر في غلاسكو لأن بريطانيا فشلت في تلبية مطالب تركيا بشأن الترتيبات الأمنية، على الرغم من أن نفس الترتيبات الأمنية تمت تلبيتها للرئيس الأمريكي، وعقب الرئيس أردوغان على عدم حضوره المؤتمر: (عندما لم يتم تلبية مطالبنا قررنا عدم الذهاب إلى غلاسكو).

فهل يمكن أن يكون رئيس بلدية بديلا عن رئيس دولة؟! لكن الأمر أبعد من ذلك بكثير، وهو ما يمكن فهمه من خلال محاولات الغرب في كل مناسبة تسقيط أردوغان سواء بتصريحات أو مواقف، وللأسف يجدون من يستجيب ولو على حساب بلاده وكرامتها، ولعل من مخططاتهم المستمرة في ذلك السياق إشاعة أن حالة الرئيس أردوغان الصحية غير مستقرة، كرر الأمر أكثر من مرة خلال السنوات الأخيرة، وهذا الأسبوع أطلقوا إشاعة أنه مات والرئاسة تخفي الخبر، وهو ما نفاه مستشار أردوغان إسماعيل جسور، مجيبا بالقول إن (هؤلاء لا يملون من الكذب).

إثارة الفتن تتزايد ومع اقتراب انتخابات 2023 ستزداد الفتن، ولعل الورقة التي يلعبون عليها الآن بعد فشلهم في كل الأوراق السابقة هي ورقة ضيوف تركيا من السوريين، وإظهار أنهم عبء على تركيا، ففي الفتنة المفتعلة التي أخذت أكثر من حجمها تبين وجود تنسيق عالي المستوى بين بعض أقطاب المعارضة في تركيا ومخابرات دول تعادي تركيا، والمحامون الآن يضعون بين يدي القضاء تلك الأدلة.

لكن اللافت أن هذه المعارضة لا تترك وسيلة ولو بالاستعانة بالشيطان وأعداء الوطن من أجل الإطاحة بأردوغان وحزبه، فهل يبرر الفشل التعاون مع الأعداء؟ سؤال كبير أضعه أمام المعارضة في تركيا التي لا تمانع في اتخاذ كافة السبل للوصول للسلطة، كما أضعهم أمام كلمة خلدها التاريخ (الأوطان لا تموت من ويلات الحروب، ولكن تموت من خيانة أبنائها).

فيسبوك

Advertisement