أخبار تركيا اليوم
حياة الورق في تركيا: جامعو القمامة معروضون للاعتقال والترحيل !
نفذت شرطة اسطنبول مداهمات على عشرات من مستودعات جمع النفايات خلال الشهر الماضي بحجة معالجة المخاطر الصحية المحتملة، ومخاوف الأمن العام، وتوظيف المهاجرين غير المسجلين.
اعتُقِلَ نحو 200 عامل في مداهمات وقعت في 49 موقعًا في اسطنبول في أكتوبر/تشرين الأول، وبحسب التقارير فقد قامت الحفارات بهدم المستودعات، واعتقال ثلاثة عمال على الأقل، كما صادرت الشرطة مئات العربات اليدوية التي كان العمال يستخدمونها لجمع النفايات القابلة لإعادة التدوير.
كما تم تنفيذ غارات مماثلة في سبتمبر/أيلول عندما داهمت الشرطة نحو 100 مستودع، واستولوا على 650 عربة يدوية، والمباشرة بإجراءات إدارية ضد 286 من جامعي النفايات، من بينهم 145 مهاجرًا أفغانيًا، وقد تركت الغارة الأخيرة مئات من عمال إعادة التدوير عاطلين عن العمل، ومن المحتمل أن يواجه العديد من المهاجرين الترحيل.
حدثت هذه المداهمات من قبل، ولكن اعتقالات سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول على ما يبدو جزءًا من حملة شرسة ضد جامعي النفايات وإعادة التدوير، وقام محافظ إسطنبول -علي يرلي كايا- بإصدار إعلان في أغسطس/آب زعم بهأن “أنشطة جمع وفصل النفايات غير المصرح بها وغير المرخصة في المدينة تؤدي إلى التوظيف في ظروف غير مسجلة وغير صحية، ولا سيما مشاكل البيئة والصحة العامة، وتتسبب في أضرار عامة وأرباح غير عادلة”.
لا يتفق محمود عيتار؛ خريج علم الأحياء الذي يجمع النفايات أيضًا، مع محافظ إسطنبول حيث أصدر بيانًا في سبتمبر/أيلول باسم عمال النفايات عقب المداهمات.
يقول حاكم اسطنبول إن الحملة تهدف إلى الحد من توظيف المهاجرين غير الشرعيين، علمًا أنه خلال المداهمات في سبتمبر/أيلول تم احتجاز حوالي 140 مهاجرًا أفغانيًا غير شرعيين، وتم إرسالهم إلى مركز احتجاز في توزلا؛ حيث يُحتجز المهاجرون غير المصرح لهم حتى يتم ترحيلهم. وفقًا لغازيت دوفار (Gazete Duvar)؛ منصة إخبارية على الإنترنت، “حتى عام 2010 كان جامعو النفايات يشكلون في الغالب مهاجرين أكراد وأفرادًا من السكان الغجر، بينما اليوم وجودهم في القطاع يتم استبداله تدريجيا بالمهاجرين الأفغان”.
لكن البعض يجادل بأن الزيادة في جامعي النفايات هي مسؤولية قيادة الأمة؛ حيث تتفاقم أعداد الناس في هذه الصناعة بسبب ارتفاع معدلات البطالة، والاحتمالات المحدودة للاجئين والمهاجرين، وقال علي مينديلي أوغلو؛ جامع النفايات السابق الذي كان يعمل كرئيس تحرير لمجلة كاتيك (Katık) التي ينشرها جامعو النفايات، إنّ الوظيفة غالبًا ما تكون الملاذ الأخير وتتعلق في البقاء على قيد الحياة، وأخبر مؤخرًا غازيت دوفار (Gazete Duvar): “طالما أنّ البطالة ونقص العمل القانوني للاجئين لا يزالان جرحًا نازفًا في تركيا فسيعمل النظام كما هو”.
غياب الحماية والتشريعات
يتم تجاهل جامعي القمامة القائمين بإعادة التدوير الذين يجوبون شوارع المدينة التركية مع عرباتهم المليئة حتى أقصاها بالورق، والبلاستيك، والكرتون حتى تصدروا الأخبار كما حصل في أكتوبر/تشرين الأول وسبتمبر/أيلول. لا توجد بيانات إحصائية تشير إلى عدد الأشخاص الذين يعملون في مجال إعادة التدوير في تركيا على الرغم من أن البعض يقدّر أن هناك ما لا يقل عن 500 ألف شخص في هذه الصناعة، ومع ذلك يبقى وجودهم شائعًا ومألوفًا في شوارع تركيا؛ حيث تكون إعادة تدوير النفايات البلدية غير كافية على الإطلاق، ولدى أعضاء منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أقل معدل لإعادة التدوير بنسبة 12 في المائة.
لا يوجد تشريع وطني يعترف بمهنة جمع الورق أو النفايات، بينما يرى هؤلاء العمال أنفسهم جزءًا من الحل لمساعدة تركيا على تحقيق أهدافها البيئية؛ نظرًا لأنهم يُعتبرون جزءًا من سوق العمل غير الرسمي في البلاد، ولكن لا توجد لوائح لحماية العمال مما يؤدي إلى ظروف عمل صعبة، وفي مقابلة مع غازيت دوفار (Gazete Duvar) أوضح رئيس اتحاد عمّال إعادة التدوير؛ دينسر مانديلوغلو (Dinçer Mendillioğlu) أنّ الشركات الوسيطة والمصانع التي تشتري النفايات من جامعي النفايات “تدفع أجرًا شحيحًا” و”تحصُد الأرباح”.
عادةً تنتمي العربات اليدوية التي يستخدمها جامعي النفايات لجمع النفايات إلى المستودع الذي يعملون به، ووفقًا لصحيفة جمهوريت التركية (Cumhuriyet) يوجد حوالي 1350 مستودعًا في إسطنبول وحدها.
في كل مرة يتم إرجاع عربة إلى المستودع يتم وزن محتواها ويتم الدفع لجامع النفايات، ويتراوح متوسط الدخل اليومي بين 60-100 ليرة تركية (6-10 دولارات أمريكية). تزن عربات اليد 30 كيلوغرامًا عندما تكون فارغة، و150 كيلوغرامًا عند الامتلاء، وفي مقابلة مع بي بي سي تركيا قال جامعا النفايات أحمد عيتار ومسعود عيتا أنهما يسيران بمعدل 40 كيلومترًا في اليوم، ويقومان بثلاث جولات خلال اليوم الواحد.
في مارس/آذار من هذا العام بثت منصة نتفلكس فيلمًا بعنوان Paper Lives الذي سلط الضوء على حياة جامعي النفايات، وقدمت خدمة البث “تصويرًا واقعيًا لعمل وحياة القائمين بإعادة التدوير في المدينة الذين يأتون من جميع مناحي الحياة المختلفة؛ الرجال، والصغار، والكبار، والأطفال، والنساء، والرعايا الأجانب من غرب إفريقيا، وباكستان، وأفغانستان، وسوريا، وأماكن أخرى”، كان هذا ما كتبه الصحفي المقيم في تركيا؛ بول بنجامين أوسترلوند.
تأييد السيدة الأولى
استخدمت سيدة تركيا الأولى؛ أمينة أردوغان تويتر للتعبير عن دعمها للعمال، ووصفتهم بأنهم جزء من “مشروع التخلص من النفايات” الذي ساعدت في تأسيسه مع وزارة البيئة والتمدن في عام 2017.
مع ذلك يقول البعض إن الحملة المفاجئة على جامعي النفايات هي نتيجة مباشرة لمشروع السيدة الأولى! في مقابلة مع منصة الأخبار على الإنترنت ديكن (Diken)، قال علي منديلي أوغلو بعد فترة وجيزة من حديث السيدة الأولى عن “مشروع التخلص من النفايات” مع بدأ العمل في منشأتين منفصلتين لإعادة التدوير في إسطنبول؛ “يشير هذا إلى أن الحملة الأخيرة على جامعي النفايات هي مسألة ربح؛ هذه استثمارات بملايين الدولارات، وفي بيانهم عقب المداهمات قال حاكم اسطنبول إن المداهمات نُفّذت لمنع “الدخل غير القانوني، وسرقة نفايات إسطنبول، وتوظيف عمال مهاجرين غير شرعيين، وخلق مشاكل أمنية”.
من أجل تلبية متطلبات عضوية الاتحاد الأوروبي كان على تركيا اتباع توجيه الأمم المتحدة بشأن نفايات مواد التغليف، ولذلك وضعت تركيا في عام 2004 تشريعات قانونية إضافية حول أنظمة النفايات؛ مثل قانون التعبئة والتحكم في نفايات التعبئة، ومع ذلك في جميع عدد مرات التكرار (وصلت حتى 17 مرة) لهذا القانون لم يتم ذِكر جامعي النفايات مطلقًا في التعديلات، وفي مقابلة مع بي بي سي التركية قال منديلي أوغلو: “لم يأخذ أحد في الاعتبار حقيقة أنه ليس في أي دولة عضو في الاتحاد الأوروبي هناك مئات الآلاف من الأشخاص الذين يكسبون عيشهم من القمامة والنفايات، وهذا فريد من نوعه لتركيا. يتظاهر صناع القرار في ذلك الوقت وحتى يومنا هذا بأن هذا الواقع غير موجود، ويواصلون تنفيذ مشاريع لا تأخذ بعين الاعتبار هؤلاء الأشخاص”.
بينما تكافح تركيا من أجل مستقبلها البيئي يتساءل العديد من جامعي النفايات كيفية تقرير مصيرهم مع هذا المشهد الجديد. يقول محمود عيتر: “حقيقةً أن معظم عمال القمامة هم من مواطني هذا البلد يتم التغاضي عنها، نحن نقوم بهذا العمل وهو الشيء الوحيد الذي يمكننا القيام به بكرامة دون سرقة أو استجداء”.
المصدر: Globalvoices