أخبار السوريين في تركيا
التسوّل في إسطنبول.. شبكات منظمة تديره بأساليب مبتكرة والضحايا سوريون
صار غير مستغرب كل فترة وأخرى، أن يتم القبض على عصابة في إسطنبول، تتخذ من التسول مهنةً لها، فتجني منها أرباحاً تفوق في بعض الأحيان ما يجنيه الطبيب والمهندس. وقد أصبح لـ “مهنة التسول” أصول وقواعد مبتكرة، تكاد عقولنا لا تستوعبها ولا تدرك جديدها.
وتعدّ إسطنبول بيئة خصبة للمتسوّلين، باعتبارها قبلة للسياح المحمَّلين بالدولارات واليوروهات، ومكاناً مناسباً للمحتالين، إذ يصعب إيجادهم أو التعرف إليهم فيها، وموطناً للفقراء الذين لم يستطيعوا مجاراة ارتفاع تكاليف المعيشة فيها، فإما أنهم سلكوا طريق التسول، أو قاموا بتأجير أطفالهم للمافيات التي تستغلهم وتُرغمهم على ممارسة هذا العمل.
وتعاملت الشرطة التركية في إسطنبول مع نحو 5500 حالة تسوّل خلال العام الماضي، إحداها لمتسوّل حصل على نحو 17 ألف ليرة خلال يوم واحد فقط.
الضحايا أطفال سوريون
تتخذ المافيات من الأطفال وقوداً لمشروعها “الاستثماري” في مجال التسوّل، فيجبرونهم على التوزع في مناطق إسطنبول التي تشهد نشاطاً تجارياً أو حركةً بشرية، كمحطات المترو والمتروبوس وأمام أبواب المساجد وفي الأسواق المكتظة وغير ذلك.
وتستغل هذه العصابات الأطفال السوريين في أعمال التسول، فهي إما أن تكون خطفتهم أو استأجرتهم من عائلاتهم الفقيرة ثم نقلتهم إلى إسطنبول بشكل غير قانوني لتوزّعهم على نقاط معينة من أجل ممارسة التسوّل بالإجبار، لتكسب بذلك مئات الآلاف من الليرة التركية شهرياً، علماً بأنهم يجمعون الأطفال في مكان مغلق لا يُسمح لهم بمغادرته دون إذن العصابة التي تديره، كما يمارسون الضرب المبرح على الأطفال الذين لم يحصلوا على مبلغ معين خلال اليوم، والذي قد يؤدي أحياناً إلى الوفاة.
وقد شنّت الشرطة التركية منتصف العام الماضي عملية ضد شبكة تسوّل في إسطنبول، تستخدم الأطفال والنساء، خاصة في المترو والمتروبوس والمناطق التي يتركّز فيها السياح، لتعتقل من خلال مداهمات نفذتها 31 مشتبهاً به، وتنقذ 12 طفلاً، ولتجد في مكان إقامتهم نقوداً معدنية بقيمة 7 آلاف ليرة تقريباً وهواتف ذكية وإيصالات بنكية توضح إيداع 120 ألف ليرة في حساب زعيم العصابة.
وألقى الأمن التركي القبض على عصابة في إسطنبول أوائل العام الماضي، تستغل أطفالاً سوريّين في أعمال التسوّل من أجل كسب الأموال.
ومن خلال التحقيق، تبيّن أن العصابة تستغل 44 طفلاً أعمارهم بين 9 أعوام إلى 15 عاماً، وذلك في أعمال التسول بإسطنبول.
وقد سبقها عمليات أمنية كثيرة في الأعوام الماضية تتشابه إجمالاً وتختلف تفصيلاً.
اختاروا التسوّل دون إجبار
هؤلاء هم الأخطر، إذ امتهنوا التسول عن سابق إصرار، وقد أتوا بأساليب تكاد لا تخطر على بالك، كأن يلبس ملابس فخمة ثم يقابلك في الشارع فيوقفك ويطلب منك أجرة الطريق لأنه أضاع بطاقة المواصلات الخاصة به ونسي محفظته في المنزل، فتنظر في حاله وتتذكر مقولة “ارحموا عزيز قومٍ ذلّ”، وتستحي أن تعطيه “ليرات معدودة” فتُخرج أكبر ورقة نقدية من جيبك ثم تعطيه إياها دون نظر في وجهه كي لا تحرجه.. فتخيل أنه يفعل ذلك يومياً مع عشرات الأشخاص، ثم فكّر بيوميته التي لا تُعد ولا تحصى.
وقد تجدهم على الفيسبوك يأتونك من مدخل لا تتوقعه، فيوقفك منشورهم وتقرؤه دون إرادة منك، لأن عاطفتك لم تحتمل بأن يباغتك أحدهم ويقول إنه ليس في منزله كسرة خبز، وإنه فقط يريد 100 ليرة دَيناً لا هبةً، فتنهال عليه عشرات التعليقات فيرد عليها جميعاً على الخاص طبعاً، ولك أن تتخيل كم أصبحت غلته بمنشور واحد في مجموعة واحدة فقط.
كما يستخدم بعضهم خدعة الأكل من القمامة، إذ يجلس قرب الحاويات متظاهراً بأنه يُخرج طعاماً منها ليأكله، بينما في الواقع يكون الطعام قد جلبه معه لهذا الغرض.
وقد تم رصد بعضهم يركب سيارات فارهة عند الظلام أو يستخدم هاتفاً ذكياً بطريقة متخفية أو يحصي أرباحه التي جمعها أو ما شابه، ما يدل على امتهانه التسول.
ولا سبيل إلى حصر طرق الاحتيال التي يتبعها هؤلاء المتسوّلون، فقد أعملوا عقولهم وسخّروا إمكانياتهم في هذا الطريق، ولو سخّروها في مكان آخر لربما بلغوا مكانةً عظيمة.
بين هذا وذاك.. يضيع المحتاج
مما لا مجال للشك فيه أن هناك محتاجين كثراً، اختاروا التسول لعدم قدرتهم على العمل بسبب عجزٍ أصابهم، يبيتون لياليهم دون طعام أو شراب يسدّ رمقهم، وقد ضاعوا بين عصابات تدير شبكات للتسوّل وأفرادٍ اختاروا التسول مهنة لهم وسخّروا له إمكانياتهم وقدراتهم، فلا سبيل إلى تمييزهم ومعرفتهم، وهكذا الحال في كل مكان يطغى فيه الفساد والظلم والسواد، فلا يكون هناك مجال لرؤية النور في الظلام، وتجدهم غالباً متعففين يطلبون مساعدةً على استحياء، لا يرفضون طعاماً تعطيهم إياه بخلاف النوعين السابقين الذين لا يريدون سوى المال الذي يشكّل قوام مشروعهم التجاري.
أورنيت