معلومات قد تهمك
قصة الملاح التائه
كثيراٌ من القراء لا يعلمون أن الحضارة الفرعونية كانت حضارة شاملة، نبغت في كافة المجالات سواء في الطب والهندسة والعمارة ومختلف مناحى الحياة، كذلك تركت لنا إرث في وروائع في مجال الادب، وستبدأ ” جسور” في نشر عدد من من الروايات الفرعونية علي عدة حلقات نقلا عن الاستاذ الدكتور حسين دقيل الباحث في الاثار الرومانية واليونانية.
وقصتنا اليوم، من القصص المصرية النادرة التي وُجدت كاملة، حيث عثر عليها الأثري الروسي (جلونيشف) مكتوبة بورقة بردي، وهي تعود لعصر الدولة الوسطى (أي منذ 4 آلاف عام)، وموجودة الآن بـ (متحف ليننجراد) بروسيا.
تحكي القصة؛ أنه في يوم من الأيام؛ أرسل الملك أميرًا من أمراء الفنتين (وهي جزيرة بأسوان) إلى (بلاد الصومال)، ليُحضر له بعض النفائس، فلم يُوفَّق في مهمته فرجع خائبًا، ولاقى في طريقه أهوالًا عظيمة، غير أنه وصل إلى أرض الوطن سالمًا، ولكنه كان حزينًا يتوقَّع شرًّا مستطيرًا عند مقابلته للملك وإخباره بما مُنِي به من الفشل.
وكان له تابع أمين؛ أحزنه ما رآه على وجه (الأمير) من الحزن والألم، فأراد أن يهدئ خاطره، ويخفِّف من آلامه، فذكر له قصته التي ذُكرت بالبردية، وهي كالتالي:
قال التابع: كُنْ فَرِحًا أيها الأمير، انظر لقد وصلنا إلى مقر الملك، وقد أُخِذت المطرقة، ودُقَّت أوتاد المرسى، وأُلقِيت حبالها على البر، وكان الثناء والشكر لله، وقد عانَقَ كلُ فرد زميله، وقد وصل ملَّاحونا سالمين أصحاء، ولم نفقد من جنودنا أحدًا، فكن سعيدا أيها الأمير
تأمَّلْ!… أيها الأمير؛ لقد عدنا بسلام ووصلنا إلى بلادنا.. أصغِ إليَّ أيها الأمير، إنني فرد أخلو من المبالغة. اغسل نفسك أيها الأمير، وصب الماء على أصابعك، وتكلَّمْ إلى الملك وأنت مالك لشعورك، وأجِبْ في غير تلعثم. وإن فم الإنسان هو الذي ينجيه، وكلامه هو الذي يجعل الناس يرفقون به، وستفعل ما يحلو لك.
أيها الأمير … لعلّ كلامي معك لم يُجْدِ.. ومع ذلك سأقصُّ عليك شيئًا مماثلًا لقصتك؛ فقد حدث لي شخصيًّا عندما أقلعت إلى إقليم مناجم الملك ذاهبًا إلى البحر في سفينة ذرعها ١٢٠ طولًا و٤٠ عرضًا، وكان فيها ١٢٠ بحَّارًا من نخبة مصر، وكانوا يتعرَّفون السماء، وكانوا يتعرَّفون الأرض (أي علماء بأمر الأرض والسماء) وكانت قلوبهم أثبت من قلوب الأسود، وكانوا يتنبؤون بالعاصفة قبل أن تحدث، والزوبعة قبل أن تمر.
وبينما نحن كذلك؛ قد هَبَّتْ عاصفة ونحن ما زلنا في البحر، وقبل أن نصل إلى الشاطئ، ضاعفت الريح من شدتها، وجاءت موجة ذرعها ثمانية ارتفاعًا، وقد حملت مَن على سطح السفينة مع الصاري. (والصاري عمود يقام في السفينة يشد عليه الشِّراع)
وبعد ذلك غرقت السفينة ولم يَبْقَ إلا (أنا) من بين الذين كانوا فيها، وقد رمت بي موجة إلى جزيرة، وقد قضيت ثلاثة أيام وحيدًا ولم يكن لي رفيق غير قلبي، ونمتُ في خباء من الخشب، واحتضنت الفيء، ثم وقفت على قدمي لأجد ما يمكن أن أضعه في فمي، فوجدت تينًا وعنبًا هناك وكل أنواع الخضر الجميلة، وكان هناك خيار كأنه مزروع، وكان هناك سمك وطيور، ولم يكن هناك شيء لا يوجد فيها.
وعندئذٍ أشبعت نفسي، وتركت بعض الطعام على الأرض؛ لأن حمله كان ثقيلًا على ذراعي، ثم أخذت زنادًا، وأوقدت نارًا لنفسي، وقدمت قربانًا مشويًّا للمعبودات.
وبعد ذلك سمعت صوت رعد، وظننت أنها موجة بحر، فتكسرت الأشجار وزلزلت الأرض، ولما كشفت عن وجهي …