مقالات وتقارير
لا داعي للاستغراب.. إنها الحرب العالمية الثالثة قد بدأت لتوها!
يشهد العالم تغيرات تكتونية.
انضمت سويسرا المحايدة دوماً إلى العقوبات المناهضة لروسيا. قريباً، سينظر برلمان فنلندا المحايدة في الانضمام إلى “الناتو”، ويقول الحلف إنه في حالة القرار الإيجابي، سوف يقبل فنلندا في ظرف 24 ساعة.
الغرب يغمر أوكرانيا بالسلاح لدرجة أنه قريباً ما سيصبح نصيب المواطنين الأوكرانيين منه 3 قاذفات قنابل يدوية و2 ستينغر لكل مواطن.
يقترح بعض أعضاء الكونغرس الأمريكي استخدام قانون قديم يسمح للحكومة بإصدار تراخيص للقرصنة البحرية، بغرض الاستيلاء على اليخوت الروسية.
كذلك تحرق أوروبا وغيرها من حلفاء وأتباع الولايات المتحدة الأمريكية جسور العلاقات مع روسيا، بينما أغلقت أوروبا سماءها أمام الطيران الروسي، وجمّد الغرب الأصول الروسية، وعزل البنوك الروسية الكبرى عن نظام “سويفت”. وامتنعت شركات الشحن الغربية عن نقل البضائع الروسية، ولم يعد هناك قطاع لا تواجه فيه روسيا التضييق أو الحصار. لا تهدف العقوبات الاقتصادية الشاملة إلى خنق الاقتصاد الروسي ببطء، خلال 5-10 سنوات، وإنما لتدميره تماماً الآن، في غضون بضعة أشهر. من الناحية الاقتصادية، تم تحديد مسار التدمير الكامل للدولة الروسية.
في الغرب، يُطرد الطلاب الروس من الجامعات في كل مكان، وتتعرض المطاعم الروسية والسكان الروس العاديون للهجوم. بشكل عام، اتخذت عمليات القمع في الغرب طابعاً شاملاً واسع النطاق ضد كل ما هو روسي، بمن فيهم المواطنون الروس العاديون. بل إن المذيعة الأمريكية، أوبرا وينفري، ألقت بكتاب “الحرب والسلام” لمؤلفه الروسي ليف تولستوي من مكتبتها الشخصية.
الغرب يشطب روسيا وكل الحضارة الروسية وكل ما هو روسي من التاريخ على أقل تقدير، وسيحاول محوها من تاريخ العالم.
يدور الحديث عن التدمير المادي لكل شيء روسي في العالم، كما قام الرومان القدماء برش الأرض بالملح، بعد استيلائهم على قرطاج، حتى لا ينمو أي شيء آخر هناك. تلك هي معركة النهاية.
ومع ذلك، فإن روسيا تمر بمثل معارك النهاية تلك، عندما يتعلق الأمر بالتدمير الكامل للحضارة الروسية، مرة كل قرن، وأحياناً أكثر من ذلك في القرن الواحد. وأخشى أن ذلك سوف يتكرر في المستقبل أيضاً.
في هذه الحالة، وفي رأيي المتواضع، ليس هناك ما هو غريب في الأمر. كل ما هنالك أننا في تلك الظروف نتطلع إلى الأحداث السريعة التي كان من الممكن أن تحدث في غضون 10 سنوات مقبلة على أي حال.
أو ربما لم يكن لتلك الأحداث أن تتسارع سوى على هذا النحو اقتراباً من الذروة.
في هذا، أتفق مع فلاديمير بوتين، بأن كل العقوبات كانت ستفرض حتماً، وكل ما نلاحظه كان مقدراً أن يحدث بالضرورة، فقط كان سيحدث في أكثر اللحظات هشاشة بالنسبة لروسيا، على سبيل المثال، عند تغير قيادة البلاد.
في الوقت نفسه، ولو فكّرنا بعقل، فإن استمرار مثل هذا النظام لمدة طويلة، على الأقل بالنسبة لأوروبا كان غير ممكن قطعا. وعلى أقل تقدير بسبب أن خسارة روسيا تعني كارثة اقتصادية وفوضى في البلاد، ما سيوقف إمدادات الطاقة والمواد الخام الهامة الأخرى إلى السوق العالمية، ما يعني بالتبعية انهيار الاقتصاد العالمي. ستصمد الولايات المتحدة الأمريكية لفترة أطول قليلاً، إلا أن الانهيار أيضاً سيطالها.
أي أن الغرب يطوي الصفحة لنفسه، ويدخل في عالم لا يضمن فيه وجوده بالأساس. بالنسبة له هو الآخر، تلك هي المعركة النهائية، وشراسة وقسوة الإجراءات ضد روسيا ترجع إلى ذلك، فالغرب على حافة الهاوية وانهيار الاقتصاد، ثم الولايات المتحدة فالاتحاد الأوروبي ودول أخرى كثيرة. هو في عجلة من أمره، ولم يتبق له سوى عام أو عامين كحد أقصى قبل انهيار الاقتصاد، والانتصار التلقائي لروسيا والصين. والتدمير الوقائي لروسيا، ثم للصين، هو الفرصة الوحيدة لبقاء الغرب على قيد الحياة.
في نفس الوقت، فمن الجدير بالملاحظة أن الولايات المتحدة الأمريكية تقف في كواليس المشهد وتراقب بهدوء. حيث لم تغلق واشنطن الأجواء الأمريكية أمام الطائرات الروسية، وتواصل شراء النفط الروسي، وما إلى ذلك. فتلك حرب بالوكالة، ويجب أن يقاتل أتباعها الذين يتعين عليهم وحدهم أن يتحملوا وطأة الحرب.
لقد كتبت عن ذلك مراراً وتكراراً، إن هدف الولايات المتحدة الأمريكية هو تحييد روسيا من خلال جرّها إلى صراع في أوكرانيا، وما يتبعه ذلك من حرب لاحقة بين روسيا وأوروبا، أو على الأقل مع القطع الكامل للعلاقات الاقتصادية الروسية الأوروبية. فلطالما كان منع التحالف الروسي الألماني هو المهمة الرئيسية للأنغلو ساكسون على مدى قرنين من الزمان.
ومع الأسف الشديد، فقد فازت الولايات المتحدة بهذه الجولة، ونجحت في تنفيذ انقلاب بأوكرانيا في العام 2014، والآن، من خلال دميتها في كييف، تمكنت من فرض صراع عسكري على روسيا.
إن تبعات ذلك على روسيا كارثية حقاً. علاوة على ذلك، فإن الكارثة هي كارثة استراتيجية، وستبقى المعاناة من تداعياتها لـ 100 عام على الأقل. ولا أعني هنا العقوبات، التي أنا على يقين من أن روسيا، وعلى الرغم من الصعوبات الكبيرة، ستتحملها، وروسيا تمتلك لذلك جميع الموارد والمهارات المطلوبة وعزم وتصميم قيادة البلاد يسيران على هذا النهج. علاوة على ذلك، بإمكاني القول إن العزلة، ولله الحمد، ستجعل روسيا على أهبة الاستعداد في مواجهة الانهيار الحتمي للنظام المالي العالمي. وعندما يصبح العالم المترابط والمتكامل بشكل متبادل في حالة خراب بعد انهيار نظام الدولار وهرم الديون العالمية، فإن روسيا وحدها هي التي ستبقى على قدميها.
إن الكارثة الحقيقية بالنسبة لروسيا هي حرب الشعبين الشقيقين، الأوكراني والروسي، اللذين يمثلان، بشكل عام، شعباً واحداً في كلا الطرفين المتنازعين. فوزير خارجية أوكرانيا السابق، كليمكين، من أصل روسي، وثلث الحكومة الروسية من أصول أوكرانية. وروسيا وأوكرانيا جزء من شعب واحد، وليس ما نراه اليوم على مسمع ومرأى من العالم كله سوى حرب أهلية في واقع الأمر. وستبقى المرارة في القلوب لجيلين على الأقل. وهنا يتحقق حلم الأنغلو ساكسون في إجبار هذين الشعبين من أصل واحد على القتال فيما بينهما. ذلك حقاً هو “انتصار 100 عام” بالنسبة للأنغلو ساكسون.
أنا بعيد عن التفكير في أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لا يدرك كل ذلك. ولا أعرف شخصاً في روسيا كلها أكثر حذراً من بوتين. فعندما فُرضت العقوبات على روسيا في السنوات الأخيرة، كان كل الروس يغلون طلباً للانتقام، لكنه كان صامتاً وانتظر في هدوء. الآن، وفي ظل حرب الإبادة ضد روسيا، لا زالت موسكو، أثناء كتابة هذه السطور، تستمر في إمداد أوروبا وحتى أوكرانيا بالغاز!!! هل رأيتم مثل ذلك في العالم العربي أو في أي مكان في العالم؟! بل إن روسيا، حتى هذه اللحظة، لم تعلن عن رفضها لسداد القروض، ما يمكن أن يلغي تأثير تجميد الاحتياطات الروسية لدى الغرب!!! غليل قلبي لا يشفيه إلا دم العدو!!! لكن عقلي يتفق مع بوتين…
أقول ذلك لتوضيح حقيقة أن بوتين إذا ما فعل شيئاً، فإنه يفعله فقط في اللحظة المناسبة أكثر من أي لحظة أخرى، وفقط عندما يكون متأكداً تماماً من النجاح.
فوحده “انتصار 1000 عام” يمكن أن يعوض “هزيمة 100 عام” لروسيا. وإذا قبل بوتين بذلك المدى من قسوة وقوع الضحايا والعواقب الوحشية لذلك على روسيا، فذلك يعني أننا نراقب فقط بداية الصراع.
في هذا المقام أتذكر عبارتين لبوتين:
“إذا كان القتال أمراً لا مفر منه، فعليك أن تضرب أولاً”.
“ما الحاجة بنا إلى عالم ليس به روسيا”.
وكما نذكر، فقد أمر الرئيس الروسي منذ يومين بوضع القوات النووية الاستراتيجية الروسية في حالة التأهب القصوى.
أعتقد أنها ليست خدعة. فبوتين يذهب إلى نهاية المسار. وبالمناسبة، فإن الترسانة النووية الروسية أكبر وأحدث من الترسانة الأمريكية.
وبالنظر إلى تسارع الأحداث، أتوقع نشوب حرب نووية، أو على الأقل وضعاً ملتهباً، يقف فيه العالم على شفا حرب نووية، في موعد لا يتجاوز الصيف، وربما قبل ذلك، بالوضع في الاعتبار إيقاع تدهور الاقتصاد الروسي، فكلما تسارع، اقتربنا.
على أي حال، سواء أبقيت روسيا في هذا العالم أم لا، سواء أن انتصرت أو لا، فلن يكون في نهاية الصراع أي ولايات متحدة أمريكية أو غرب على هذا الكوكب. أو على الأقل لن تكون هذه الكيانات بنفس الهيئة أو نفس الدور الذي تلعبه الآن.
ملحوظة: على قناة “تليغرام” الخاصة بي، نشرت رسالة تلقيتها من الأصدقاء تشير إلى أن سلطات منطقة موسكو سوف تتحقق، في 2 مارس الجاري، من حالة صفارات الطوارئ. حقاً أن تلك التجربة تأجلت لسبب ما، لكن من الواضح أن ذلك هو ما تستعد له روسيا.
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف
مقالات الرأي المنشورة في “تركيا اليوم” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.