عربي
كاشفا مجزرة حي التضامن: مرتكبوها فخورون بجرائمهم.. تفاصيل
نشر الباحثان اللذان كشفا عن مجزرة التضامن، التي لقيت تفاعلا واسعا، تفاصيل حول الفيديو الذي كشفاه مؤخرا لصحيفة الغارديان، وتضمن مشاهد دموية ومروعة لإبادة جماعية في حي التضامن في جنوب دمشق، ليلقيا الضوء على “حملات الإبادة التي قادتها مخابرات النظام السوري”.
والباحثان هما البروفيسور أور أوميت أونغر من مركز الهولوكوست والإبادة الجماعية بجامعة أمستردام، وهو متخصص هولندي وباحث في هذا النوع من الإبادات، وأنصار شحود وهي متخصصة في دراسة العنف في سوريا.
وتاليا النص كاملا للتقرير تحت عنوان “قرابين التضامن” من ترجمة صحيفة “جمهورية”، الذي يركز على جرائم الاستخبارات السورية مع تفاصيل حول الفيديو المروع:
في شهر نيسان (إبريل) من العام 2013، قام فرع المنطقة التابع لشعبة الاستخبارات العسكرية، والمعروف أيضاً بالفرع 227، بقتل أكثر من 280 مدنياً اقتيدوا إلى أحد أحياء دمشق المعزولة، وتم إعدامهم واحداً تلو الأخر في مقبرة جماعية كانت قد أُعدت مسبقاً. وأثناء توثيقهم للمجازر بتصويرها، لم يتوانَ الجناة عن أخذ لقطات تذكارية مروّعة. لم يكن من المفترض أن يتم تداول هذه المقاطع، ولكنّ مصدراً مقرباً منهم قام بتسريب هذه الفيديوهات لنا. وعلى مدار عامين، قُمنا بالتحقّق من حملة القتل تلك، حيث أجرينا تحليلاً لهذه المقاطع المصورة وعملنا على تحديد الموقع الجغرافي الذي وقعت فيه هذه المجازر، كما أننا استطعنا العثور على مُطلِق النار الرئيسي على منصة فيسبوك ونجحنا في إجراء سلسلة من المقابلات معه.
«لقد انتقمت، أنا لا أكذب عليكِ، لقد انتقمت، لقد قتلت. لقد قتلت كثيراً، قتلت كثيراً ولا أعرف عدد الأشخاص الذين قتلتهم».
الفيديو الصادم
في شهر حزيران (يونيو) من العام 2019، كان أور أونغر يَحضرُ مؤتمراً أكاديمياً في باريس، حول الاستخدامات العلمية للمواد البصرية وشهادات الناجين وشهود العيان في حالات المجازر الجماعية. خلال هذا المؤتمر كان أور يستعد لتقديم عرض حول آلية معالجة المواد الفيلمية المتعلقة بجرائم الحرب، وأثناء انتظاره لتقديم مداخلته، تلقّى اتصالاً هاتفياً من صديق سوري أراد لقاءه بشكل عاجل. وفعلاً التقيا في ركن بعيد في أحد المقاهي الهادئة، أخرج الصديق السوري هاتفه وطلب من أور مشاهدة مقطع فيديو. كان مقطع الفيديو هذا، والمقاطع اللاحقة التي شاهدها مع مجموعة من الباحثين المخضرمين في أبحاث أعمال العنف والإبادة الجماعية، صادماً بشدّة حتى بالنسبة لهم، إذ تتضمن هذه الفيديوهات عرضاً لتنفيذ عناصر من المخابرات العسكرية وقوات الدفاع الوطني عملية إبادة ممنهجة بحق مدنيين في حي التضامن الدمشقي في العام 2013 وبدايات 2014.
حي التضامن: سورية المصغرة
يقع حي التضامن خارج البوابة الجنوبية لمدينة دمشق القديمة، على أطراف حي الميدان الدمشقي، وإلى الجنوب الغربي من حي باب شرقي الذي يعتبر قلب الحياة الليلية الصاخبة لمدينة دمشق.
ويقابل مفردة «التضامن» في اللغة الإنجليزية كلمة «solidarity»، في إشارة إلى هؤلاء الذين تشردوا نتيجة غزو إسرائيل لمرتفعات الجولان عام 1967. فقد بدأ هؤلاء النازحون بالاستقرار في الأراضي الزراعية جنوب العاصمة دمشق، في المنطقة الواقعة ما بين حي الميدان الدمشقي ومنطقة السيدة زينب، حيث قاموا ببناء منازلهم بشكل عشوائي وبإمكانياتهم الخاصة بالإضافة إلى دعم حكومي محدود بشدّة. وفي وقت لاحق، تم الاعتراف بالحي بأثر رجعي باعتباره جزءاً من حي الميدان وبلدة يلدا، ويأخذ اسم حي «التضامن».
في تسعينيات القرن الماضي، تدفقت موجات اليد العاملة الريفية المهاجرة من كافة أرجاء سوريا باتجاه العاصمة دمشق، ثم تدفّقت موجات أخرى نتيجة الجفاف التي أثَّرَ بشكل حاد على القطاع الزراعي في البلاد في العام 2003، وأجبرَ العديد من المزارعين اليائسين على ترك أراضيهم في محاولة إيجاد سبل النجاة في دمشق. استوعبَ حي التضامن جزءاً كبيراً من الهجرات الداخلية المتعاقبة، التي أسست ديناميات عائلية سهلت استقرار القادمين الجدد، وأثّرت بشكل كبير على تشكيل التركيبة الاجتماعية والديمغرافية للحي، الذي أصبح منطقة عشوائية كبيرة ذات أعلى نسبة كثافة سكانية في دمشق.
ومع أن الحي بغالبيته العظمى من العرب السنة، إلا أنه استوعبَ أيضاً العديد من الطوائف الدينية والعرقية الأخرى كـ: العلويين والدروز والإسماعيليين والتركمان والأكراد… إلخ. لكن التمايزات بين هذه التجمّعات تشكلت على أسس مناطقية أكثر من كونها انتماءات طائفية، أو بشكل أكثر تحديداً، على التراكب ما بين هذين العاملين. فعلى سبيل المثال: يُنسَب علويو شارع نسرين إلى قريتهم الأصلية عين فيت التي نزحوا منها في مرتفعات الجولان المحتلّ، كما ينتسب دروز شارع الجلاء إلى قراهم التي نزحوا منها في الجولان أيضاً. هكذا يصبح تحليل التمايزات السوسيو-مجالية (socio-spatial)، التي شكلتها هذه التجمعات المتجانسة والمتنافسة معاً، عاملاً مهماً لفهم آليات العنف الجماعي في حي التضامن.
لطالما أشارت كبرى وسائل الإعلام الرسمية السورية إلى حي التضامن بوصفه «سوريا المصغرة»، لكن هذه الإشارة لم تكن متعلّقة بنشأة الحي أو تكوينه الاجتماعي، بل بوصفه الواجهة «العلمانية» المفترضة للنظام السوري، بالإضافة إلى كونها مادة خطابية عن التعايش السلمي في البلاد، إلا إن الحي شكّل في الواقع مساحةً متناقضة. فعلى الرغم من تواجد سوريين من خلفيات طائفية وعرقية وسياسية ومناطقية متنوعة يعيشون معاً بألفة فيه، إلا إنه كان في الوقت نفسه بيئةً متوترةً شديدة الاستقطاب. فحي التضامن من الأماكن القليلة التي يكون فيها الجناة والضحايا جيراناً، إذ إنه موطن العقيد سيء السمعة علي خزام،1الذي ارتكب أعمالاً شنيعة على طول البلاد وعرضها، وفي الوقت ذاته هو موطن شخص مثل آصف الذي أمضي في زنازين المخابرات الجوية 12 عاماً.
كيف صاغت هذه التعقيدات الصراع في الحي؟
ساهمت الانقسامات الاجتماعية بلا شك في زعزعة الثقة بين المجموعات المختلفة، فليس هناك ما يميز حالة التعايش المرتبك هذه، نظراً لوجود حالات مماثلة في جميع أنحاء العالم، ولكن النظام السوري لم يستطع أن يستثير العداء والتوترات ما بين التجمعات إلا في ظل تنامي الاستقطاب بعد العام 2011، حيث حدّد هذا الاستقطاب الحاد المتصاعد بين الجيران أنماط التعبئة المتمايزة لسكان الحي.