Connect with us

مقالات وتقارير

“أوميت أوزداغ”: إلى دمشق.. خذوني معكم؟

Published

on

اتسعت رقعة التراشق السياسي والتلاسن بين جناحي الحكم والمعارضة والداعمين لهما في صفوف وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي في موضوع اللجوء بشكل عام واللاجئ السوري بشكل خاص. آخر تطورات المشهد كان التصعيد الحاد وتبادل الاتهامات بين وزير الداخلية سليمان صويلو ورئيس “حزب ظفر” الأكاديمي أوميت أوزداغ المعروف بانتماءاته اليمينية والقومية.

أوزداغ يعرفه الإعلام العربي من خلال مواقفه الحادة وتحركاته الميدانية في مناطق كثافة وجود اللاجىء السوري والانتقادات اللاذعة التي يوجهها إلى الحكم بسبب سياسته في سوريا. هو بين من طرح فكرة التواصل مع نظام الأسد وأعلن أنه سيزوره في دمشق بهدف تقريب وجهات النظر بين البلدين في ملف الأزمة السورية، وتسهيل عودة مئات الآلاف من السوريين إلى بلادهم.

أوزداغ يريد هو الآخر أن يحظى بمساحة في العمل السياسي والحزبي في تركيا، والورقة الأهم التي يريد أن يلعبها هي ملف اللجوء وسياسة حكومة العدالة والتنمية السورية. الاستثمار في الملف قد يرفع من شعبيته التي هي أقل من نصف بالمئة من مجموع الأصوات حسب استطلاعات الرأي، وقد يمكنه أيضا من تسجيل اختراق انتخابي في العام المقبل.

قدم أوزداغ أرقاما مضخمة حول أعداد اللاجئين السوريين الموجودين في تركيا والمجنسين منهم والأموال التي أنفقتها السلطات حتى اليوم فأغضب الكثيرين. بعكس الأرقام الرسمية المعلنة من قبل المؤسسات التركية المختصة يقول نحن لا نطعم 5.3 ملايين سوري موجودين في البلاد فقط، بل و3.7 ملايين سوري موجودين شمالي سوريا. هل من السهل إطعام 9 ملايين أجنبي من جيوب الشعب التركي؟ لكن الحقيقة أيضا هي أن موضوع اللاجىء في تركيا يتفاقم يوما بعد آخر ويرفع من حدة التوتر السياسي والشحن الاجتماعي كلما اقترب موعد حزيران 2023 تاريخ الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المرتقبة. وإن حسابات الحقل التركي لم تتطابق مع حسابات البيدر السوري في ملف الأزمة التي اندلعت قبل عقد، فتحول التركيز على موضوع اللجوء وارتداداته كما يبدو.

هناك من يريد التلاعب بالملف السوري كورقة انتخابية لا بد من قطع الطريق عليه وإنجاز اختراقات في ملف الأزمة السورية ككل. الهدف بالنسبة للحزب الحاكم في تركيا كما يبدو أيضا هو تسهيل “العودة الطوعية” لمئات الآلاف من الموجودين فوق الأراضي التركية إلى الداخل السوري قبل الذهاب إلى الصناديق، فهناك أيضا معارضة تستثمر في الملف “على الطالع والنازل” مثل المنشار السياسي والانتخابي وبعضها يقدم أرقاما مبالغا فيها حول الأعداد والمبالغ التي أنفقت والارتدادات الاقتصادية والاجتماعية.

أعلنت القيادات السياسية التركية في حزب العدالة والتنمية عن خطة لإعادة مليون سوري إلى بلادهم بطريقة مشرفة وطوعية، بعد تأمين سبل الحياة والبيئة الآمنة في مناطق الشمال السوري بالتنسيق المشترك بين المؤسسات الرسمية والأهلية التركية وقوى المعارضة السورية ومنظمات إنسانية إقليمية ودولية. وأشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى أن نحو “500 ألف سوري عادوا إلى المناطق الآمنة التي وفرتها تركيا منذ إطلاق عملياتها في سوريا عام 2016″، وأن المشروع الجديد سيكون شاملا بصورة كبيرة، وسينفذ في 13 منطقة على رأسها اعزاز وجرابلس والباب في ريف حلب الشمالي وشرقا، حيث تل أبيض ورأس العين، بالتعاون مع المجالس المحلية في تلك المناطق.

حقيقة أخرى لا بد من التعامل معها وهي أن قيادات حزب العدالة والتنمية لن تعلن عن مشروع إعادة مليون سوري إلى المناطق الواقعة في شمال غربي سوريا لمجرد مواجهة المعارضة التركية وسحب هذه الورقة من يدها. وأنه لم يعد يكفي تحميل قوى المعارضة التركية وحدها مسؤولية المطالبة بعودة اللاجئ السوري إلى بلاده. أصوات وأقلام سياسية وإعلامية محسوبة على الحزب الحاكم في تركيا تدعم هذا الطرح أيضا. الإعلامي عبد القادر سلفي والإعلامية هندي فرات بين المقربين إلى الحزب الحاكم يرددان أن المشكلة هي ليست في التواصل بين أنقرة ودمشق بل في تجاوز العقبة الروسية. موسكو تريد كما يبدو أن يتم كل شيء بحضورها ومشاركتها الفاعلة.

الخطة لم تتوضح تماما بعد في تفاصيلها وهي لا بد أن تكون أبعد من بناء مساكن الطوب في شمالي سوريا ونقل العائلات السورية إليها. ما الذي ستوفره المنازل وحدها للاجىء السوري غير تسهيل انتقال توصيفه مجددا إلى نازح في بلاده بعيدا عن بيته ومزرعته وأرضه وعمله؟ ولماذا يعود إذا لم يحصل على الضمانات الأمنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية المطمئنة؟

استقبلنا اللاجئ الهارب من قمع نظام الأسد ومن المعارك والمخاطر في المدن السورية. فهل انتهى الخطر كي نطالبه بالعودة إلى الداخل السوري أم أن ما يجري هو حلقة في خطة أوسع لا نعرف الكثير عنها بعد؟ هذا هو الاحتمال الأقرب وإلا فلماذا نعيدهم مؤقتا إلى بعض الأماكن بدل البحث عن حل دائم يسهل عودتهم إلى منازلهم وقراهم وأرضهم؟ ولماذا يطلب من اللاجئ السوري أن يتعاون مع خطة لا يعرف ما الذي ستوفره له على المدى البعيد؟ هو يريد أن يعرف إذا ما كان التحول يتم باتجاه استبدال الخيم بمنازل الطوب في الشمال السوري هذه المرة أم أن التحول هو في سياسة تركيا السورية قبل أن يكون في ملف اللجوء؟

تركيا هي الدولة الأولى في استقبال اللاجئين وتحمل الأعباء المادية في استضافتهم إلى جانب تحمل مسؤولية مساعدة الملايين الموجودين على حدودها في مدن شمال غربي سوريا. لكن مؤشرات كثيرة تقول أيضا إن مرحلة 2022 – 2023 ستكون حقبة التحول في موضوع اللاجئ في تركيا، لأن الجميع في الحكم والمعارضة يستعد للعب كل الأوراق التي يملكها في الملف مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية بعد 13 شهرا. اصطفاف داخلي حاد إلى جانب تحريض البعض الذي يتفاقم يوما بعد آخر، دون تجاهل ما يقال حول وجود أجهزة استخبارات خارجية ستحاول الاصطياد في الماء العكر وصب الزيت فوق نار الملف المشتعلة. هناك من يقول أيضا إن البعض يريد تحريك الملف لتهديد الموسم السياحي في هذه الظروف الصعبة التي يمر بها الاقتصاد التركي. ألا يكفي كل ذلك لتبني سيناريو التموضع الجديد المرتقب خلال أشهر؟

قبل أسبوع فقط كنا نردد أنه “أمام حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا 14 شهرا لتسجيل اختراق سياسي حقيقي في التعامل مع موضوع الأزمة السورية إذا ما كان يريد فعلا الخروج من ارتدادات هذا الملف على وضعه السياسي والانتخابي قبل توجه المواطن إلى الصناديق في حزيران 2023. نجاحه بهذا الاتجاه سيقدم له الكثير سياسيا وشعبيا لأنه سيسهل أولا عودة مئات الآلاف من السوريين إلى وطنهم في إطار تسوية سياسية لأزمة عمرها أكثر من عقد. ولأنه سينهي مسألة بالغة التعقيد في الداخل التركي ثانيا. غير ذلك من حلول جزئية مبتورة لن تقدم وتؤخر كثيرا”. بعد أيام فقط تم الإعلان عن خطة تسهيل عودة مليون سوري من تركيا إلى بلادهم. المشكلة هي معرفة في إطار أي تحرك أو تطلعات سياسية يطرح ويناقش الموضوع وما هي الأهداف البعيدة المدى لخطوة من هذا النوع؟

 

المصدر : الكاتب “د. سمير صالحة” ترك برس

فيسبوك

Advertisement