دولي
اليورو يقترب من التساوي مع الدولار.. الأسباب والتداعيات
يقترب اليورو من التساوي بالقيمة مع الدولار الأميركي لأول مرة منذ 20 عامًا، حيث استقر عند 1.05 دولار، صباح الخميس، بعد أن كان في انخفاض مستمر لمدة عام تقريبًا.
وانخفضت العملة الأوروبية المشتركة إلى ما يزيد قليلاً عن 1.03 دولار في وقت سابق من هذا الأسبوع.
وعزز الدولار مكانته بسبب الخوف من المخاطرة في الأسواق، حيث دفعت المخاوف بشأن الحرب الروسية في أوكرانيا، وارتفاع التضخم، ومشاكل سلاسل التوريد، وتباطؤ النمو وتشديد السياسة النقدية، المستثمرين نحو أصول “الملاذات الآمنة” التقليدية، ومن بينها الدولار الأميركي.
وكان تضييق الفجوة بين العملتين مدفوعًا أيضًا بالتباين في السياسة النقدية بين البنوك المركزية.
ورفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في وقت سابق من هذا الشهر معدلات الفائدة القياسية بمقدار نصف نقطة مئوية، وهي الزيادة الثانية في 2022، حيث يتطلع إلى كبح جماح التضخم الذي بلغ أعلى مستوياته منذ 40 عامًا.
قال رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، الثلاثاء، إن البنك المركزي لن يتردد في مواصلة رفع أسعار الفائدة حتى ينخفض التضخم إلى مستوى يمكن التحكم فيه وكرر التزامه بتقريبه من هدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2٪.
وعلى النقيض من بنك الاحتياطي الفيدرالي وبنك إنكلترا، لم يقم البنك المركزي الأوروبي برفع أسعار الفائدة على الرغم من ارتفاع التضخم القياسي في جميع أنحاء منطقة اليورو.
وقال مخطط السياسات بالبنك المركزي الأوروبي، فرانسوا فيليروي دي جالو، الاثنين الماضي، إن الضعف المفرط لليورو يهدد استقرار الأسعار في الكتلة، مما يزيد من تكلفة السلع وبخاصة السلع المستوردة المقومة بالدولار، ويزيد من ضغوط الأسعار التي دفعت التضخم في منطقة اليورو إلى مستويات قياسية.
ماذا يعني ذلك؟
لا يزال استراتيجيو العملة منقسمون حول ما إذا كان تراجع اليورو سيستمر بهذه الوتيرة حتى يتكافأ مع الدولار أم لا، بينما انكب أكثرهم الآن على محاولة فهم ماذا سيعني هذا التكافؤ للمستثمرين والاقتصاد.
وأعلنت المفوضية الأوروبية الاثنين خفض توقعاتها للنمو الاقتصادي لمنطقة اليورو في عام 2022 بمقدار 1,3 نقطة إلى 2,7%، وزادت توقعاتها بشأن التضخم بمقدار 3,5 نقطة إلى 6,1%، بسبب الحرب في أوكرانيا.
وفاقمت الحرب في أوكرانيا الظروف الصعبة التي سادت قبل بدء النزاع، وكان يتوقع أن تزول خلال العام ولا سيما زيادة أسعار موارد الطاقة التي انعكست بشكل خاص في سعر الكهرباء والوقود وأسعار المواد الغذائية وبعض المنتجات الصناعية والخدمات.
وشهد الاقتصاد مسارًا متخبطًا خلال العامين الماضيين، فبعد تأثره بتداعيات جائحة كورونا في عام 2020، انتعش النشاط بقوة ابتداءً من ربيع عام 2021، فكانت النتيجة نموًا قياسيًا بنسبة 5,4% سجلته العام الماضي منطقة اليورو بعد ركود قياسي شهد انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 6,4% في العام الذي سبقه.
وساهم النمو المسجل عام 2021 في تحسين أداء عام 2022 “فلولاه لما تجاوز النمو 0,8% هذا العام” وفق محللين.
ما الذي يتطلبه الأمر للوصول إلى التكافؤ؟
قال سام زيف، رئيس قسم استراتيجية العملات الأجنبية في بنك “جي بي مورجان” الخاص، لشبكة “سي إن بي سي”، إن الطريق إلى التكافؤ سيتطلب “خفض توقعات النمو لمنطقة اليورو مقارنة بالولايات المتحدة، على غرار ما حصل مباشرة في أعقاب غزو أوكرانيا “.
وأشار زيف إلى أن دورة رفع أسعار الفائدة من بنك الاحتياطي الفيدرالي والحرص الأميركي على هذا التوازن خلال العامين المقبلين سيساعد فعليا في بقاء الدولار قريبا جدا من اليورو، وهو رأي يؤيده، ستيفن جالو، الرئيس الأوروبي لاستراتيجية العملات الأجنبية في BMO Capital Markets.
وأخبر جالو قناة “سي أن بي سي” أن الاختلاف في السياسة بين الاحتياطي الفيدرالي الأميركي والبنك المركزي الأوروبي هو الذي سيؤثر على المساحة بين اليورو، والدولار .
وقال: “إذا اهتزت تدفقات ميزان المدفوعات الأساسي لليورو، وارتفع احتمال حدوث صدمات سلبية إضافية في إمدادات الطاقة، سيؤدي هذا إلى انخفاض العملة”.
واقترح جالو أن التحرك نحو التكافؤ بين اليورو والدولار، سيتطلب استمرار “الجمود في سياسة البنك الأوروبي خلال الصيف، في شكل معدلات تبقى دون تغيير، وفرض حظر ألماني كامل على واردات الوقود الأحفوري الروسي، مما سيؤدي إلى تقنين الطاقة .
وقال: “لن يكون مفاجئًا أن نرى الجمود في سياسة البنك المركزي الأوروبي يستمر إذا واجه البنك المركزي أسوأ مزيج ممكن من ارتفاع مخاطر الركود في ألمانيا والارتفاعات الحادة الإضافية في الأسعار “.
ويعتقد جالو كذلك أن بنك الاحتياطي الفيدرالي سيشعر بالقلق من الانتقال إلى النطاق 0.98-1.02 في اليورو مقابل الدولار الأميركي، وهذا المدى من قوة الدولار الأميركي مقابل اليورو، لذلك يقول: “يمكنني أن أرى أن الوصول إلى هذه المنطقة في اليورو مقابل الدولار الأميركي سيدفع بالبنك الاحتياطي الفيدرالي لإيقاف حملته التشديدية مؤقتًا أو إبطائها”.
ويقصد جالو بالحملة التشديدية، رفع معدلات الفائدة.
الدولار “مرتفع جدا”
ارتفع مؤشر الدولار بحوالي 8٪ منذ بداية العام، وفي مذكرة الثلاثاء، قال “دويتشه بنك” إن علاوة مخاطر “الملاذ الآمن” المسعرة بالدولار أصبحت الآن في “الحد الأقصى من النهايات” ، حتى عند حساب فروق أسعار الفائدة.
وتشير مراقبة التقييم من دويتشه بنك إلى أن الدولار الأميركي هو الآن “أغلى عملة في العالم”، بينما يوضح مؤشر وضع النقد الأجنبي للمقرض الألماني (دويتشه بنك) أن مراكز الدولار مقابل عملات الأسواق الناشئة في أعلى مستوياتها منذ ذروة جائحة كوفيد -19.
ويرى جالو أن “كل هذه الأشياء تعطي نفس الرسالة التي مفادها أن الدولار مرتفع للغاية” وقال: “تشير توقعاتنا إلى أن زوج اليورو/ الدولار الأميركي سيرتفع إلى 1.10”.
قضية التكافؤ
في المقابل يشكك عدد من المحللين في إمكانية الوصول إلى التكافؤ، حيث يقول، جوناس غولترمان، وهو كبير الاقتصاديين في “كابيتال إيكونوميكس”، في مذكرة الأسبوع الماضي، على عكس معظم المحللين الآخرين: “نتوقع أن يضعف اليورو أكثر قليلاً مقابل الدولار، ونتوقع أن يصل سعر اليورو مقابل الدولار الأميركي إلى نوع من التكافؤ في وقت لاحق من هذا العام، قبل أن يرتفع قليلا نحو 1.10 في عام 2023 حيث تتراجع الرياح المعاكسة لاقتصاد منطقة اليورو، ويصل بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى نهاية دورة التضييق تلك.
مراجعة تاريخية
استعاد الاقتصاد الأميركي قوته منذ عام 2015 بعد الركود الذي عرفه في عام 2008، إثر أزمة الرهن العقاري العام.
وأدى الارتفاع التدريجي لقيمة الدولار مقارنة بنظيره الأوروبي، إلى تباين السياسة النقدية في الجانبين.
ففي الوقت الذي كان فيه الاحتياطي الفيدرالي يتطلع إلى زيادة أسعار الفائدة استجابة لتعزيز الاقتصاد، كان على البنك المركزي الأوروبي الإبقاء على أسعار الفائدة عند مستويات منخفضة، مع توفير برنامج تيسير كمي لتعزيز الإنفاق في أوروبا.
وقد أدى ذلك إلى الحفاظ على علاقة قيمية بين الدولار واليورو عند مستوى منخفض نسبيًا، على الأقل بالمقارنة مع سعره في بداية عام 2014.
بعد ذلك، شهد اليورو حالة من التأرجح بفعل حالة الغموض السياسي والاقتصادي خلال السنوات الأخيرة، خصوصا بعد قرار بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبي خلال 2016، حيث أثر ذلك في العملة الأوروبية مقارنة بالدولار.
وانتقل سعر اليور من 1.14 في يوم الاستفتاء إلى 1.11 في اليوم التالي.
ولا تزال حالة عدم اليقين المحيطة باتفاق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تؤثر على تسعير اليورو، بينما زادت الأزمة الجارية في أوكرانيا، وعدم اليقين الاقتصادي المصاحب لها في تأزيم الوضع في أوروبا أكثر فأكثر، وهو ما اثر بدوره على قيمة اليورو، المدفوع بتأرجح المؤشرات الاقتصادية والمالية منذ غزو روسيا لأوكراناي في 24 فبراير.
المصدر: الحرة / ترجمات – واشنطن