مقالات وتقارير
تعرف على الحالات التي يمكن فيها سحب الجنسية التركية
انتشرت في الآونة الأخيرة كثير من الأخبار والشائعات المتداولة في وسائل التواصل الاجتماعي في الأشهر الأخيرة التي يبدو أنها أثارت مخاوف لدى العديد من العرب الذين حصلوا على الجنسية التركية بطرق مختلفة في السنوات الأخيرة. ومن هذه الأخبار والشائعات مقطع فيديو لأحد السياسيين يزعم أن الجنسية الممنوحة للمستثمرين العرب ستُلغى إذا تغيرت الحكومة في تركيا في عام 2023.
وفي هذا المقال المختصر سألقي الضوء على القواعد المتعلقة بسحب الجنسية في تركيا، مما سيمكن القرّاء من فهم الظروف التي يمكن بموجبها حقًّا سحب الجنسية التركية من قبل السلطات، ويساعدهم على عدم الاكتراث للشائعات التي تنشر معلومات مضللة عن هذا الموضوع.
وفي البداية أودّ القول إن السلطات يمكنها فعلا سحب الجنسية التركية في حالات معينة. ومن الناحية القانونية، هناك مجموعتان واضحتان من القوانين في هذا الصدد هي: القوانين العامة المتعلقة بفقدان الجنسية التركية التي تنطبق على كل من المواطنين الأتراك الأصليين والمواطنين الأتراك المتجنّسين. وهناك قوانين محددة تتعلق بالتجريد من الجنسية تنطبق فقط على المواطنين الأتراك المتجنسين. وسنتطرق إلى تلك القوانين بالترتيب نفسه في هذا المقال.
القواعد العامة المتعلقة بفقدان الجنسية التركية
هناك 4 أسباب فقط يمكن أن تؤدي إلى فقدان الجنسية التركية، وعندما تكتشف السلطات التركية وجود أحد هذه الأسباب، فإنها تحيل النتائج التي توصلت إليها إلى مكتب الرئاسة التركية، وتكون سلطة اتخاذ القرار النهائي بهذا الشأن في يد الرئيس التركي، ويصبح التجريد من الجنسية ساري المفعول قانونيا بمجرد نشر قرار الرئيس بذلك في الجريدة الرسمية التركية، و الأسباب الأربعة هي كما يأتي:
• إذا كان الشخص يحمل الجنسية التركية ويعمل طوعا لمصلحة دولة أجنبية وكانت خدماته لتلك الدولة لا تتوافق مع مصالح تركيا، فإن السلطات التركية تحث الشخص المعني على ترك ذلك العمل في غضون 3 أشهر، وإذا لم يمتثل الشخص المعني لأمر السلطات، فإنه يفقد الجنسية التركية.
• إذا كان مواطن تركي يعمل طواعية لمصلحة دولة أجنبية في حالة حرب رسميًّا مع تركيا دون إذن حصري من الرئيس التركي، فإن ذلك سيؤدي إلى فقدان ذلك الشخص الجنسية التركية.
• إذا التحق شخص تركي طواعية بالخدمات العسكرية لدولة أجنبية دون إذن من السلطات التركية، فإن ذلك الشخص يفقد الجنسية التركية.
• إذا ارتكب مواطن تركي الجرائم المنصوص عليها في المواد 302 و309 و310 و311 و312 و313 و314 و317 من قانون العقوبات التركي (كل هذه الجرائم تدخل في الجرائم ضد أمن الدولة التركية والنظام الدستوري لتركيا)، وإذا كان هذا الشخص بعيد المنال لأنه فرّ من تركيا هربا من التحقيق القانوني والمحاكمة في الجرائم المرتكبة، فإن وزارة العدل تقوم بحثِّ ذلك الشخص على العودة إلى تركيا خلال 3 أشهر، وإذا لم يمتثل لطلب وزارة العدل، فقد يفقد الجنسية التركية.
وعندما يفقد مواطن تركي الجنسية التركية بسبب أي من الأسباب المذكورة آنفًا، فإن ذلك لا يؤثر على جنسية زوجته وأطفاله.
القواعد المتعلقة بإسقاط الجنسية التركية
هناك سبب واحد لسحب الجنسية التركية من المواطنين الأتراك المتجنسين: إذا اكتشفت السلطات التركية أن الجنسية قد تم الحصول عليها ببيان كاذب أو بإخفاء حقائق أساسية كان من الممكن أن يكون لها تأثير في الحصول على الجنسية. عند الشك في حدوث ذلك، فإن وزارة الداخلية تباشر التحقيق في الموضوع وتسحب الجنسية بناء على أي دليل تجده يثبت صحة ذلك الشك.
والفرق الرئيسي بين القوانين العامة المتعلقة بفقدان الجنسية التركية والقوانين المحددة المتعلقة بإلغاء الجنسية هو أنه في السيناريو الأخير تلغى جنسية الزوجة أو الزوج والأطفال أيضًا.
وعلى الرغم من أنه يبدو أن هناك سببًا واحدا فقط لإلغاء الجنسية التركية، فإن ذلك السبب مذكور بلغة فضفاضة، ومن ثم فإن هناك العديد من الحالات التي يمكن أن تدخل ضمن تلك اللغة. فعلى سبيل المثال، إذا قام مستثمر أجنبي باستثمار بهدف التقدم بطلب للحصول على الجنسية التركية ولكنه قدم تقرير تقييم تم التلاعب به بشدة لإثبات أن قيمة استثماره تتجاوز الحد الأدنى المطلوب، فإن ذلك يمكن اعتباره بيانًا خاطئًا عند اكتشافه. كذلك إذا حصل أجنبي على جنسية استثنائية عن طريق رشوة بعض كبار الضباط، فسيُعدّ ذلك بمنزلة إخفاء للحقائق الأساسية، لدى اكتشافه.
وهذا يعني أن من حصلوا على الجنسية التركية بهذه الأساليب المشبوهة ينبغي أن يقلقوا بشأن وضعهم، لأن أي حكومة جديدة قد ترغب في التحقيق في جميع طلبات الحصول على الجنسية بأثر رجعي. أما بقية الأشخاص الذين حصلوا على الجنسية باتباع الإجراءات القانونية، فلا داعي للقلق بشأن وضعهم، لأن الحفاظ على جنسيتهم حق يضمنه لهم الدستور ويمكنهم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة ضد السلطات التركية حتى إن حاولت الحكومة التركية اتخاذ أي إجراءات تمسّ حقوقهم الدستورية. وأنا شخصيًّا أعتقد أنه لن تجرؤ أي حكومة تركية على اتخاذ مثل هذه الخطوات غير الدستورية في أي سيناريو بعد الانتخابات المقبلة.
الكاتب :
دينيز باران
محام تركي مقيم بإسطنبول وعضو هيئة التدريس في قسم القانون الدولي بجامعة إسطنبول