إسطنبول اليوم
شعار “الزبون على حق”.. هل يستغله رواد مطاعم سورية باسطنبول؟
شعار “الزبون دائمًا على حق” يعدّ بمنزلة تحدٍّ لأصحاب الشركات والمهن والأنشطة التجارية وأماكن خدمة العملاء، لتقديم أفضل ما لديهم وكسب ثقة عملائهم وزبائنهم، ودافع لتطوير منتجاتهم وخدماتهم لإرضاء العملاء.
ولا تزال هذه العبارة تحتفظ بقيمتها، منذ أن أطلقها رواد أعمال وتجار أمريكيون معروفون، في النصف الثاني من القرن الـ18، أمثال هاري جوردون سيلفريدج وجون واناميكر ومارشال فيلد، ورغم اختلاف صيغتها من بلد لآخر بقي المضمون ثابتًا.
العبارة الشاملة لجميع قطاعات التعامل مع العملاء دون استثناء، لازمت وانحازت قليلًا إلى التعبير عن خدمة المطاعم أكثر من غيرها، كونها خدمة غير ثابتة المعايير والظروف، وتختلف باختلاف أذواق العملاء وتقييمهم.
ترصد عنب بلدي في هذا التقرير، عبر لقاءات مع عدد من أصحاب وموظفي المطاعم السورية في مدينة اسطنبول، بعض السلوكيات السلبية التي يمارسها بعض العملاء والزبائن، حوّلت هذا الشعار من تحدٍّ واندفاع إلى كابوس يلاحق ممثلي الخدمة ومقدّميها، سالبًا منهم حق الرفض، معكرًا صفو العمل داخل المطاعم، حسب تقييمهم.
رحلة البحث عن الزبون
يواجه أصحاب المطاعم وموظفو خدمة التوصيل (دليفري) مشكلة بالحصول على العنوان بشكل صحيح من بعض الزبائن، رغم طلبهم إياه متضمنًا اسم الشارع ورقم البناء والمنزل، فمنهم من يرسل عنوانًا، ويتبيّن أنه بعيد عن منزله الأساسي مئات الأمتار، مرجعًا سبب الخطأ إلى الهاتف المحمول، وبعضهم يستخدم أسماء محال كدلالة، تجعل مهمة الوصول إلى عنوانه أصعب مما يتخيل، ومثال ذلك، “جنب محل الصاغة”.
عقبات البحث عن بعض الزبائن في خدمة التوصيل كثيرة، فامتلاك بعضهم أرقامًا أجنبية غير قابلة للتواصل سوى عبر شبكة الإنترنت واحدة منها، بالإضافة إلى عدم رد بعضهم على عامل التوصيل الذي لا يملك سوى الانتظار، ما يؤخر طلبات أخرى أو يفرض العودة بالطلب، وهو ما يفتح بابًا لمشكلات أخرى مع الزبون.
الزبون “الشيف”
يمتلك كل مطعم قائمة (منيو) تتضمن ما يقدّمه من وجبات، ويمكن إجراء التعديل على بعضها بزيادة أو نقصان، أو حتى إزالة من مكونات الوجبة، بحسب طلب الزبون، لكن بعض الزبائن يطلبون تكوين أو تشكيل وجبة لشخص واحد، تتضمن العديد من المكونات التي تجعل مجرد التفكير في تشكيلها من قبل الطاهي (الشيف) أمرًا مرهقًا، وربما يحتاج طلبه لإشغال أكثر من شخص من كادر المطعم.
يتفق أصحاب المطاعم الذين التقتهم عنب بلدي على أن التعديلات في أي وجبة أمر طبيعي جدًا، محترمين رغبة الزبون في أكل ما يشتهيه، لكن بعض الزبائن يريدون أن تكون التعديلات مقاسة “بالغرام أو الميللي” أو بأدنى معايير القياس.
كما تتضمن قائمة الطعام في أغلب المطاعم السورية مأكولات تعود بطبيعتها إلى البيئة السورية، ومنها مرتبط بمدينة أكثر من أخرى، ويطلب بعض الزبائن أن تكون الوجبة كما اعتادها في مدينته الأم، وهو أمر صعب، كون الأمر متعلقًا بطبيعة المواد وظروف البيئة نفسها، وهذا ما يجعل بعضهم دائم الشكوى، رغم تقديم المطعم أقصى ما يمكنه في سبيل تلبية طلب الزبون.
الزبون المستعجل
السرعة في تحضير الوجبات تعد أحد أسباب إقبال الزبائن على المطاعم، سواء لتناولها داخل المطعم أو خارجه، ويعد مصطلح الوجبات السريعة مقترنًا بالعديد من المطاعم التي تسعى جاهدة لتقديم وجباتها بشكل سريع جدًا.
طلب الزبائن الإسراع في تحضير وجباتهم أو طلباتهم أمر محق في عُرف المطاعم، لكن تواجه المطاعم سلوكًا غير محبب من قبل بعض الزبائن الذين يخلقون جوًا مشحونًا بالتوتر بمناداتهم المتكررة ونظراتهم الغاضبة للكادر، رغم رؤيتهم الازدحام وعدم تقصير موظفي المطعم بأداء عملهم وإنجازه بسرعة.
حالة التوتر لدى الموظفين لا تنتهي برحيل الزبون، إذ يدخل بعض الزبائن إلى المطعم ويطلبون ما يحتاجون إليه وهم على عجلة من أمرهم، مشددين على أنهم لا يملكون الوقت للانتظار، وفي حال أخذوا طلبهم، يجلسون على إحدى الطاولات ويأكلون وينشغلون بأجهزتهم الذكية لعشرات الدقائق، وحتى بعد انتهائهم من الأكل، غير مكترثين بالضغط الذي وضعوه على عاتق الموظف بإلحاحهم.
وتحدث أحد موظفي المطاعم لعنب بلدي، أن هناك مشكلات نشأت في المطعم الذي يعمل به بين الزبائن أنفسهم، نتيجة عدم احترام بعضهم لمسألة انتظار الدور، بحجة أن طلبهم سريع وبسيط جدًا، سواء وجبة واحدة أو سندويشة أو غيرها، وإلحاحهم الشديد على موظفي المطعم بإمكانية تقديم طلبهم قبل غيرهم، وهذا ما يدفع بقية الزبائن إلى النفور أحيانًا وخلق مشكلات مع “الزبون المستعجل” داخل المطعم.
مطاعم سورية قرب محطة “يوسف باشا” في مدينة اسطنبول القسم الأوروبي- 29 تموز 2022 (عنب بلدي)
مطاعم سورية قرب محطة “يوسف باشا” في مدينة اسطنبول القسم الأوروبي- 29 من تموز 2022 (عنب بلدي)
الزبون “الاستغلالي”
يحظى كل مطعم بعدد من الزبائن والوجوه التي أصبحت محفوظة لدى كادر المطعم وتتردد إليه بكثرة، ورغم أنها ميزة إيجابية ومحببة لدى أصحاب المطاعم، فإن بعض الزبائن جعل من معرفته وتردده إلى المطعم سبيلًا لطلب بعض الزيادات والإضافات على الوجبة، لا يقابلها أي مبلغ بحجة أنه زبون قديم.
“الكرم والاهتمام مطلوبان في المطاعم لكن الاستغلال سيئ”، يوصي صاحب أحد المطاعم الموظفين والعمال لديه بعدم تمييز أي زبون بحجة أنه يعرف صاحب المطعم، لأنه يرى في حديث بعض الزبائن استغلالًا وليس طلبًا للاهتمام.
وتعتبر السندويشة أرخص الوجبات والمأكولات في المطاعم، ويطلب بعض الزبائن الذين يترددون بكثرة إلى المطعم أن يتم تقديم مقبلات بسيطة مع السندويشة، مثل علبة “كريم ثوم” أو مخلل، وهو أمر فيه خسارة للمطعم، وفي حال طلب المحاسب ثمنها فهو أمام خيارين، إما عدم عودة الزبون مرة أخرى، باعتبار أن ما طلبه المحاسب أمرًا غير مقبول من زبون قديم، وإما تقييم سلبي عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
زبون يحوّل المطعم إلى “سيران”
لا يختلف أصحاب المطاعم على الرغبة في إسعاد الزبائن، وخلق جو لطيف داخل المطعم، خاصة في المطاعم التي تملك صالات للعائلات، فالاهتمام يبدأ من أصغر التفاصيل من ألوان وتصاميم وأدوات مستخدمة لجذب الزبائن إليها، ومراعاة توفير الراحة النفسية لهم.
سلوكيات بعض الزبائن داخل المطعم تجعل المكان كـ”صالة أفراح” أو “سيران” حسب وصف بعض من قابلتهم عنب بلدي، منها الحديث بصوت مرتفع يزعج من يجلس في الطاولة المجاورة، أو حتى بقية الزبائن في الطاولات الأبعد.
وضع عربة الأطفال أو الحقائب بشكل يعرقل حركة كادر العمل في المطعم وبقية الزبائن، تضاف إلى السلوكيات غير المحببة، عدا عن ترك الأطفال دون رقيب لتصرفاتهم الطفولية التي من الممكن أن تؤذي الأطفال قبل أدوات المطعم.
سلوكيات الضحك بصوت عالٍ أو الصراخ، أو التلفظ بألفاظ معيبة في سبيل المزاح، وخاصة من قبل بعض الشباب داخل المطعم، أمر لا يعتبر عفوية، بل إنه معيب، حسب وصف أصحاب المطاعم.
كما يتصرف بعض الزبائن بسلوكيات تجاه النادل داخل المطعم، تصل إلى حد الشعور بالإهانة، منها المناداة عليه بطريقة غير لبقة أو بصوت عالٍ.
مطاعم سورية قرب محطة “يوسف باشا” في مدينة اسطنبول القسم الأوروبي- 29 تموز 2022 (عنب بلدي)
مطاعم سورية قرب محطة “يوسف باشا” في مدينة اسطنبول القسم الأوروبي- 29 من تموز 2022 (عنب بلدي)
زبون بحاجة إلى مجيب آلي
تمتلك المطاعم أرقامًا لتلقي الطلبات من الزبائن، وتختلف الآلية من مطعم لآخر، بحسب تطبيقات حجز الطلبات، منها ما يمتلك تطبيقًا خاصًا، ومنها تطبيقات تواصل مثل “واتساب”.
ويحدد كل مطعم آلية حجز وتلقي الطلبات أو التواصل مع الزبائن، سواء في خدمة التوصيل، أو في حال حجز طاولة في حال أراد الزبون القدوم إلى المطعم، لكن يصر بعض الزبائن على اختيار الآلية التي تناسبه رغم معرفته بنظام عمل المطعم.
كما يصر بعض الزبائن على إجراء اتصال على رقم المطعم ومعرفة جميع الوجبات والرغبة في سماع شرح حولها، رغم وجودها عبر صور أو عبر بعض روابط الإنترنت، وفي حال عدم الرد على اتصالات كهذه، تنتهي الحالة بمعاودة الاتصال لمرات عديدة، أو بعتاب طويل حين زيارة الزبون إلى المطعم، أو بتقييم سلبي على مواقع التواصل الاجتماعي.
–
المصدر: عنب بلدي