الاقتصاد التركي
الاقتصاد.. نقطة ضعف تحولت لميزة قبل الانتخابات التركية
بينما ينظر دوماً للاقتصاد أنه أبرز مشكلات أردوغان الانتخابية، فهذا ليس صحيحاً إلى حد كبير.
فكثير من نقاد أردوغان يتناسون وضع الاقتصاد التركي شديد السوء قبل تولي حزب الحرية والعدالة الحكم، حيث كانت الليرة التركية أدنى عملة في العالم من حيث القيمة، إذ كان الدولار يعادل نحو مليوناً و350 ألف ليرة، وأقل من ذلك في بعض الأوقات قبل الإصلاح النقدي والاقتصادي الذي قام به الحزب.
كما يتجاهلون أن تركيا مرت خلال السنوات الماضية بسلسلة من الأزمات المتوالية مثل التوتر مع روسيا حول سوريا، ثم محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة والعمليات الإرهابية خاصة تلك التي وقعت بإسطنبول، والتوتر مع أمريكا، وأخيراً جائحة كورونا، والأزمة الأوكرانية، وهي أزمات كثير منها ألقى بثقله على أغلب دول العالم، خاصة أن تركيا دولة سياحية تتأثر بشدة من مثل هذه الأزمات.
ولكن في المقابل كان أداء الاقتصاد التركي الأفضل من بين مجموعة العشرين في معظم فترات الجائحة، حيث حققت أعلى نمو بين دول المجموعة بعد الصين.
وتحقق ذلك عبر إدارة شديدة المرونة للجائحة تمثلت في رعاية صحية قوية، وإغلاقات مرنة ولكن حازمة في ذروة الجائحة تستهدف بالأساس الفئات غير العاملة مثل المسنين والطلاب، مع توفير رعاية كاملة للمسنين وإبقاء الاقتصاد مفتوحاً، خاصة السياحة ثم تنفيذ إغلاقات شبه كاملة فقط في أيام العطلات الطويلة لأغلب المواطنين والمقيمين ولكن ليس للسياح لوقف انتشار المرض مع الإبقاء على السياحة، الأمر الذي أدى إلى معدل إصابات كبير، ولكن معدل وفيات ضئيل، وهذا يشبه نموذج ألمانيا في التعامل مع الجائحة ، ولكن دون إغلاقات كبيرة كالتالي نفذتها برلين.
كما كانت تركيا مصدراً رئيسياً للمنتجات الصحية والطبية أثناء الجائحة لبلدان العالم، بينما عانت أغلب الدول الغربية من نقص الكمامات وغيرها من المستلزمات الطبية التي منعت الصين تصديرها لفترة.
أما أزمة الليرة التي كانت أكبر مشكلات الاقتصاد التركي (والنقطة التي يراهن عليها معارضوه)، فإن أردوغان أصر على نهجه الرافض لرفع سعر الفائدة؛ حتى لا يؤثر على النمو الاقتصادي والعمال والشركات، واختلف معه أغلب اقتصاديي العالم، وكثير من اقتصاديي بلاده.
أردوغان مضى قدماً في تخفيضات تاريخية للفائدة على العملة التركية، مع تقديم ضمانات لمن يحتفظ بالليرة في المصارف بتعويضه إذا تراجعت، وأدى ذلك إلى تخفيض الفائدة من أكثر 20% إلى أقل من 10 %، وهو إنجاز تاريخي للاقتصاد؛ لأن الفائدة العالية بمثابة دوامة يصعب الخروج منها، وهي تبطئ النشاط الاقتصادي وتزيد عبء الديون.
وبعد تراجع الليرة بشكل كبير مطلع العام الماضي وما قبله، استقرت العملة التركية مؤخرا رغم تأثيرات أزمة أوكرانيا الاقتصادية والضربات التي تلقتها الكثير من العملات القوية خلال الفترة الماضية بما فيها اليورو والجنيه الإسترليني والين.
أما تداعيات انخفاض الليرة الكبير على القدرة الشرائية للمواطنين، فلقد عالجها أردوغان عبر زيادة كبيرة للأجور، تمثلت في ثلاث زيادات للحد الأدنى خلال عامين أوصلته لنحو 450 دولاراً، وهو الأعلى في تاريخ تركيا ويفوق العديد من دول أوروبا الشرقية مثل رومانيا والمجر، وإذا وضع في الاعتبار القيمة الشرائية للدولار، فقد تزيد قيمته على الأرجح، لأن تركيا أرخص، وبالفعل فإن نصيب الفرد التركي من الناتج المحلي وفقاً للقوة الشرائية للدولار في البلاد (وهو المقياس الأدق) يفوق اليونان ويقل قليلاً عن دولة أوروبية غربية متقدمة مثل إيطاليا، حسب تقرير لصندوق النقد الدولي لعام 2023 “IMF”.
كل ذلك تحقق مع نمو كبير وزيادة لافتة في الصادرات والسياحة بفضل الفوائد المخفضة، والتي تدار لصالح الاقتصاد الإنتاجي، ورغم بعض التوقعات بإمكانية تخفيض محدود لليرة بعد الانتخابات التركية، ولكنه لن يكون كبيراً على الأرجح؛ لأن الاقتصاد تخطى مرحلة القلق من هذه المسألة.