Connect with us

مقالات وتقارير

من الطاعون الأسود إلى كورونا.. لماذا تظهر الأوبئة القاتلة في الصين؟

Published

on

مع إعلان منظمة الصحة العالمية الأسبوع الماضي، أن تفشي فيروس كورونا الجديد في الصين يشكل حالة طوارئ صحية عامة، ومع تجاوز عدد وفيات “كورونا الجديد” خلال شهرين فقط إجمالي عدد الوفيات جراء فيروس سارس خلال 6 أشهر، ازدادت حالة الذعر لدى الرأي العام العالمي .

عزز من حالة الذعر هذه تقارير نُشرت عن توقع خبراء صحة أمريكيين أن يؤدي فيروس كورونا إلى مقتل عشرات الملايين، من خلال تطبيق نموذج وبائي افتراضي على جهاز حاسوب في إطار أبحاث أجراها مركز “جونز هوبكنز” للأمن الصحي في أكتوبر/تشرين الأول الماضي أي قبل تفشي المرض في الصين. الأمر الذي أعاد إلى الأذهان أكبر كارثة حلت بالعالم في العصر الوسيط ألا وهي طاعون “الموت الأسود” الذي فتك بنحو ثلث سكان العالم آنذاك.

ومن اللافت للنظر أن هذه الأوبئة الثلاثة: كورونا الجديد، سارس، الطاعون الأسود، كان مصدرها الصين.

كيف بدأت هذه الأوبئة؟

أولاًالطاعون الأسود أو الموت الأسود

كان طاعون “الموت الأسود” أخطر كارثة واجهتها البشرية في القرن الرابع عشر، وأكثر الأوبئة قدرة على الانتقال والانتشار؛ إذ انتقل بسرعة من الصين إلى الهند وآسيا الوسطى حتى اجتاح أوروبا وشمال إفريقيا. وكانت له آثار اجتماعية وسياسية واقتصادية وحتى ثقافية هائلة. كما أدى إلى تغيرات كبيرة في التركيبة الديموغرافية بالقارة الأوروبية.

كان سبب الطاعون نوعاً من البكتيريا تسمى يرسينيا طاعونية نسبة إلى مكتشفها الأول الطبيب الفرنسي السويسري ألكسندر يرسن. وهذه البكتيريا تعيش بالقوارض مثل الفئران، وتتكاثر بداخلها وتنمو، وتنتقل عدواها إلى الإنسان عن طريق البراغيث التي تلدغ الفأر ثم تلدغ الإنسان.

ظهر طاعون “الموت الأسود” عام1331 في الصين. ومن المفارقات العجيبة أنه ظهر في مقاطعة هوبي وهي المقاطعة التي ظهر فيها أيضاً فيروس كورونا الجديد وعاصمتها مدينة ووهان.

انتقل المرض عام 1338 إلى منطقة بحيرة بايكال جنوبي سيبيريا، وفي 1345 انتقل إلى محيط نهر الفولغا.

وفي 1345 تفشى الطاعون وسط الجنود بجيش المغول الذي كان يحاصر مدينة كافا (فيودوسيا) في شبه جزيرة القرم وقتل منهم الآلاف. فوضعوا جثث الموتى على المنجنيق وألقوها داخل أسوار المدينة وبذلك تخلصوا من الجثث بسرعة ونقلوا المرض إلى المدينة التي كانت مركزاً تجارياً مهماً مع أوروبا. وكان ذلك يعد الاستخدام الأول للأسلحة البيولوجية في التاريخ.

وفي شتاء 1347 انتقل الطاعون الأسود عبر التجار الفارين من مدينة كافا إلى القسطنطينية (إسطنبول) ثم إلى الإسكندرية وقبرص ثم إلى صقلية ومنها بدأ المرض يتفشى بسرعة في كل أرجاء أوروبا.

وبحلول عام 1349 كان “الموت الأسود” قد تفشى في كل دول ومدن أوروبا وحصد مئات الآلاف بل الملايين من السكان باستثناء بعض الدول مثل إسبانيا وهولندا وأيسلندا وفنلندا، التي سارعت بقطع كل سبل التبادل التجاري مع الدول التي ظهر فيها الوباء.

حاول الأوروبيون اتخاذ العديد من التدابير لمنع انتشار المرض ولكن دون جدوى، باستثناء إيطاليا وبالتحديد في فلورانسا التي قامت بتجميع المصابين وعزلهم في مكان واحد، كما لجأت إلى حجز السفن القادمة إليها لمدة أربعين يوماً قبل السماح لها بالرسو في موانئها وإفراغ حمولاتها، في تطبيق أشبه بالحجر الصحي في يومنا هذا. وقد تمكنوا بالفعل من الحد من انتشار المرض إلى حدٍّ ما.

وحاول الأطباء بعدة طرق علاج الوباء مثل شفط الدم من الأماكن المصابة وتغطية الجروح ببعض النباتات الطبية. إلا أن سرعة انتشار الوباء وفتكه بالبشر كانت أكبر بكثير. وحتى عام 1350 كان الموت الأسود قد حصد أرواح نحو نصف سكان أوروبا.

ولما انعدمت وسائل التغلب على المرض فسر الرهبان ورجال الدين في أوروبا تفشي الوباء بأنه عقاب من الله. بينما اتهم قطاع كبير من الشعب اليهود بأنهم سبب ظهور وانتشار الوباء وتمت مذابح كبيرة ضدهم وتم حرقهم خاصة في فرنسا وسويسرا، ولم ينج منهم إلا من رضي الدخول في المسيحية. كما اتهم الشعب الأطباء بتسميم آبار المياه لنشر الوباء. وتم حرق مئات الأطباء أحياء.

فيروس سارس

ظهر وباء الالتهاب الرئوي اللا نمطي الحاد (سارس)، المعروف علمياً أيضا بالمتلازمة التنفسية الحادّة، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2002 في مدينة فوشان بمقاطعة غوانجدونغ جنوبي الصين. وقد أصاب 8 آلاف و96 شخصاً، وتسبب في وفاة أكثر من 774 شخصاً في العالم، حوالي 350 منهم في الصين، وقد أثار هذا الفيروس موجة ذعر عالمية منذ ظهوره في نوفمبر 2002 وحتى اختفائه في يوليو/تموز 2003.

وظهرت أعراض المرض لأول مرة على شخص يدعى ليو جيان لون أثناء ذهابه في رحلة من مدينته بمقاطعة غوانجدونغ إلى هونغ كونغ وكان هو أيضاً أول من توفي بسبب فيروس سارس.

في مارس/آذار 2003 أصدرت منظمة الصحة العالمية تحذيراً من السفر إلى مكان ظهور المرض ووصفته بـ”التهديد العالمي”.

واتخذت العديد من الدول إجراءات كثيرة لمنع تفشي المرض؛ تنوعت ما بين فرض قيود على السفر وتشديد إجراءات الحجر الصحي؛ ففي هونغ كونغ تم احتجاز نحو ألف شخص بالحجر الصحي، وتم إغلاق المدارس وبعض الأسواق في سنغافورة. إضافة إلى حجز العديد من رحلات الطيران لحين فحص جميع الركاب. كما وُضع أكثر من7 آلاف شخص بالحجر الصحي المنزلي في كندا.

وفي 5 يوليو/تموز 2003 أعلنت منظمة الصحة العالمية أن فيروس سارس قد جرى احتواؤه. وفي يناير/كانون أول 2004 أُعلن أن “قطط الزباد” هي مصدر انتقال الفيروس للإنسان وسط ترجيحات بأن الخفافيش هي المصدر الأول للفيروس. وقُدرت الخسائر الاقتصادية التي سببها فيروس سارس خلال بضعة أشهر بنحو 40 مليار دولار.

فيروس كورونا الجديد

في31 ديسمبر/كانون الأول 2019 ظهرت حالات التهاب رئوي متعددة في مدينة ووهان بمقاطعة هوبي الصينية وهي نفس المقاطعة التي خرج منها طاعون الموت الأسود في القرن الرابع عشر.

وبعد أسبوع أعلنت السلطات الصينية أن سبب تلك الأعراض هو فيروس جديد ينتمي لعائلة الفيروسات التاجية (كورونا) وأُطلق على هذا الفيروس الجديد مؤقتاً اسم “فيروس كورونا الجديد/المستجد” (2019-nCoV).

انتشر المرض بسرعة كبيرة خاصة بعد 20 يناير/كانون الأول. وأجْلت معظم الدول رعاياها من أماكن انتشار الفيروس وخاصة مدينة ووهان التي فرضت بكين عليها حظراً تاماً.

وأعلنت منظمة الصحة العالمية حالة الطوارئ على نطاق دولي لمواجهة تفشي الفيروس ما تسبب في حالة رعب سادت العالم أجمع.

فرضت الصين حجراً صحياً على جزء كبير من مقاطعة هوبي مع فرض حظر كامل على الدخول والخروج إلى مدينة ووهان، ومطالبة السكان بها بعدم الخروج من منازلهم. إضافة إلى فرض قيود على التنقل بين المدن والمقاطعات الصينية وإلغاء الاحتفالات بعيد الربيع.

كما علقت معظم شركات الطيران رحلاتها إلى المدن الصينية مؤقتاً. وشددت المطارات من إجراءات فحص الركاب القادمين من الأماكن التي ظهرت بها إصابات بالمرض.

ووصل عدد الوفيات حتى الأربعاء الماضي إلى ما يقرب من ألف و114 جميعها داخل الصين باستثناء حالتين في الفلبين وهونغ كونع. بينما بلغ عدد المصابين أكثر من 44 ألفاً داخل الصين ونحو 400 إصابةفي 25 دولة أخرى. ليتجاوز بذلك عدد وفيات فيروس سارس خلال ستة أشهر.

وتوقع خبراء اقتصاديون أن تبلغ الخسائر الاقتصادية بسبب الفيروس حول العالم إلى 160 مليار دولار.

وأدى الانتشار السريع للمرض وارتفاع أعداد الوفيات إلى انتشار ادعاءات بأن فيروس كورونا الجديد هو فيروس تم تخليقه معملياً لاستخدامه كسلاح بيولوجي. وعزز من تلك الادعاءات تصريحات وزير التجارة الأمريكي ويلبر روس حول الفائدة التي يمكن أن يحققها انتشار فيروس كورونا الجديد للاقتصاد الأمريكي. 

وقال روس: “أعتقد أنه سيساعد على تسريع عودة الوظائف إلى أمريكا الشمالية بما فيها المكسيك، ما يعزز اقتصاد واشنطن، لا أريد التحدث عن انتصار على مرض مؤسف وخبيث جداً قبل مناقشة الفوائد الاقتصادية المحتملة للفيروس”.

كما ظهرت ادعاءات أخرى تقول إن الفيروس هو نتاج البرنامج البيولوجي الصيني وربما يكون قد خرج عن السيطرة نتيجة خطأ ما.

وفي تعليقه على هذه الادعاءات قال البروفيسور آتش قارا عضو اللجنة العلمية لمتابعة فيروس كورونا بوزارة الصحة التركية وعضو هيئة التدريس بكلية الطب جامعة “هاجت تبه” إنه نظرياً يمكن تخليق مثل هذا الفيروس في المختبر، إلا أن صفات وخصائص فيروس كورونا الجديد، والجينوم الخاص به لا تشير إلى أنه منتج في المختبر ولا توجد أي أدلة علمية على ذلك.

وأضاف أن فيروس كورونا الجديد يعد فرداً في عائلة كبيرة تضم فيروسات كثيرة تُعرف بالفيروسات التاجية (كورونا) توجد بكثرة في بعض الحيوانات. وفيروس كورونا الجديد هو أحد تلك الفيروسات إلا أنه تعرض لطفرات جينية أكثر، وسريعة التحول مما يجعل مواجهته أمراً صعباً للغاية.

وأشار إلى أن إنتاج فيروس ما لاستهداف عرق معين، ممكن من الناحية النظرية إلا أنه يجب أن يكون تحت السيطرة وألا يستمر وينتشر بصورة كبيرة وإلا تعرض لطفرات تجعله مختلفاً عن الفيروس المنتج في البداية مما يجعل منتجي الفيروس أيضاً غير قادرين على مواجهته.

وحول مصدر الفيروس قال البروفيسور قارا إن “الفيروسات من سلالة كورونا توجد بكثرة في الخفافيش، وتنتقل منها إلى حيوانات أخرى يمكن أن تنقل الفيروس للإنسان في حال تعامل معها عن قرب أو قام بأكلها دون طهوها بصورة جيدة”.

لماذا الصين؟

من اللافت للنظر خروج كل هذه الأوبئة الثلاثة الخطيرة من الصين وارتباطها بشكل أو بآخر ببعض الحيوانات، الأمر الذي أثار تساؤلات حول سبب ظهور مثل هذه الأمراض في الصين في مناطق مختلفة وفي فترات زمنية مختلفة، وحول ما إذا كان للموضوع أسباب جينية، أو أسباب متعلقة بالثقافة الصينية وعاداتهم في الطعام والشراب.

الباحث محمد مسعود أقتاشجي الخبير في الشأن الصيني والمقيم في الصين يرى أنه لا علاقة للموضوع بثقافة الطعام الصينية. وأرجع ذلك إلى أنه ليس كل الصينيين يتناولون الخفافيش والثعابين وغيرها من الحيوانات. وأن بعض الصينيين يشمئز من رؤية الآخرين وهم يأكلون مثل هذه الحيوانات.

وقال أقتاشجي لـTRTعربي إن “ثقافة أكل كل أنواع الحيوانات منتشرة لدى بعض الأوساط في الصين منذ أكثر من 5000 عام، ولو كان السبب أكل بعض أنواع الحيوانات لظهرت هذه الفيروسات بصورة متكررة وعلى فترات زمنية متقاربة”.

وقال أقتاشجي إنه رصد العديد من الأخبار في الإعلام الخاص في الصين، تقوم الحكومة بحذفها سريعاً تتحدث عن اختبارات بيولوجية على بعض أنواع الفيروسات، كان آخرها أخباراً تتحدث عن تجميع أربعة علماء صينين بيانات عن الخصائص الجينية للصينيين ثم باعوها لأحد مراكز الأبحاث البيولوجية في الولايات المتحدة مما يعزز فرضية أن يكون “كورونا الجديد” جزءاً من حرب بيولوجية خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار توقيت انتشار المرض الذي يتزامن مع بداية حركة السفر والتنقلات في إطار أعياد الربيع الأمر الذي يعد فرصة مناسبة لانتشار الفيروس بين أكبر عدد من البشر.

وأشاد أقتاشجي بالإجراءات الصينية للحد من انتشار الفيروس والتي لولاها لتفشى المرض ليصيب الملايين على حد قوله.

أما أحمد تكين عضو هيئة التدريس بقسم التاريخ جامعة إسطنبول فقال في تصريحات لموقع TRT عربي إن هناك “العديد من الأوبئة والأمراض القاتلة ظهرت على مرّ التاريخ في مناطق جغرافية مختلفة بعضها في منطقة الشرق الأوسط، وليس جميعها مرتبطاً بثقافة الطعام والشراب في تلك المناطق.

وأضاف أنه لو كان ظهور الفيروس متعلقاً فقط بثقافة الطعام لظهر في كل المنطقة الجغرافية التي تتشارك نفس الثقافة وليس في مناطق بعينها دون غيرها، وأن هناك أسباباً كثيرة لظهور بعض الأوبئة في المناطق المختلفة لا يجب اختزالها في ثقافة الطعام فقط”.

سيبقى من المبكر الحكم على سبب انتشار الفيروس خصوصاً في ظل الانكباب العالمي لاحتوائه حتى لا يتفشى بطريقة تؤدي إلى مضاعفات لا يمكن تحمل تبعاتها.
المصدر : TRT عربي

فيسبوك

Advertisement