عربي
صحيفة أمريكية تستعرض أزمة الخبز في مناطق النظام وتسخر من غباء و”جنون” مسؤولي وإعلام أسد
كل صباح يستيقظ أبو محمد وابنه الأكبر لصلاة الفجر في دمشق، ثم يتناوبون على المخبز. قال الرجل إنهم ينتظرون ثلاث ساعات على الأقل، وبالكاد يصلون إلى العمل أو المدرسة في الوقت المحدد وفي كثير من الأحيان تفوت على الأولاد صفوفهم الأولى وفي بعض الأحيان يفتقدون اليوم كله.
الرجل وفي مقابلة عبر الهاتف قال: “ذات يوم وقفت سبع ساعات وفي اليوم التالي كانت الساعة الثامنة. رأيت أن عملي يتعرض للخطر فأنا أحتاج للعمل لأتمكن من العيش”.
أبو محمد، الذي رفض الكشف عن اسمه بالكامل خوفاً من مضايقات الأجهزة الأمنية، هو من بين عدد متزايد بشكل متزايد من السوريين الذين يقبعون في صفوف لا نهاية لها على ما يبدو.
ربما تكون أزمة الخبز أكثر المظاهر وضوحاً وألماً للانهيار الاقتصادي في سوريا، حيث شهدت خفض كمية الخبز المدعوم التي يمكن لمعظم العائلات شراؤها بمقدار النصف أو حتى أكثر، فقد تضاعفت الأسعار المدعومة منذ أكتوبر/ تشرين الأول، على الرغم من “الوعود الرسمية” في الربيع بأن ارتفاع أسعار الخبز كان “خطاً أحمر” لن يتم تجاوزه.
وقال أبو محمد، العامل في مصنع والأب لخمسة أطفال، والذي رفض الكشف عن اسمه الحقيقي خوفاً من مضايقة أجهزة الأسد الأمنية، إنه يحتاج من ثلاثة إلى أربعة أكياس من الخبز في اليوم. ويشتري كيسين من الخبز الخشن منخفض الجودة من مخبز حكومي التي تمثل “حصته الكاملة في ظل النظام المدعوم”، وإنه ينتظر في الصفوف في المخابز الخاصة للحصول على أرغفة أخرى ذات جودة أعلى عندما ييأس وعندما يجدها يدفع 10 أضعاف السعر الرسمي البالغ حوالي 50 سنتاً (1500 ليرة) ممن يسميهم “تجار الأزمة” في السوق السوداء.
خارج المدن الكبرى قد يكون الحرمان أسوأ، فالرجل الفقير الذي يعيش في القرية لم يعد لديه غاز بل لديه خشب من أجل الخبز، بحسب قول أحد سكان مدينة طرطوس الساحلية في مقابلة مع واشنطن بوست عبر Facebook.
يأكل السوريون الخبز مع كل وجبة تقريباً في سوريا، إذ تُقطع الأرغفة إلى قطع في جيوب صغيرة، وتُمسك بين إصبعين لتقطيع الزبادي والزيتون على الإفطار، وتعانق الخضار المحشوة على الغداء وتلف كالشاورما في وقت متأخر من الليل.
تقليديا، هو أكبر بكثير وأكثر رقة ونحافة من البيت الموجود في الولايات المتحدة ويباع في أكوام من حوالي سبعة أرغفة بأكياس بلاستيكية شفافة، إلا أنه وفي الآونة الأخيرة بدأ السوريون يشعرون بالفزع من وجود عدد أقل من الأرغفة في كل كيس.
في مقابلة مع صحيفة الوطن الموالية لحكومة النظام في وقت سابق من هذا الشهر، سعى وزير الزراعة حسن قطنا إلى تبديد السخط العام قائلاً: “لنعد إلى خبز الخبز في منازلنا بدلاً من انتظار الحكومة”.
لكن مع تضاعف الأسعار وتدهور الجودة وطول الطوابير بشكل يبعث على السخرية، فإن المواطنين الذين لم يجرؤوا على الشكوى من قبل خوفاً من حكومة بشار الأسد الاستبدادية، ينفثون عن غضبهم، كما تصاعد هذا الغضب بعد أن ذكرت صحيفة حزب البعث الحاكم في وقت سابق هذا الشهر أن 500 طن من القمح اختفت أثناء إنزال حمولتها من سفينة.
واستوردت سوريا خلال السنوات الثلاث الماضية ما معدله أكثر من 1.1 مليون طن من القمح بحسب تقرير لحكومة النظام في سوريا يرصد اقتصاد البلاد، وكانت جميع الواردات تقريباً من روسيا حليف الأسد الحيوي، لكن انتشار فيروس كورونا دفع روسيا إلى الحد من صادرات القمح في وقت سابق من هذا العام لحماية إمداداتها المحلية.
وقال مسؤول في مؤسسة الحبوب السورية هذا الشهر، إن الشركات الروسية انسحبت من ستة عقود مع سوريا، مما قلص إجمالي واردات القمح إلى النصف تقريبا.
في الوقت نفسه، أدت الأزمة الاقتصادية المتفاقمة – الناتجة عن الحرب وسوء الإدارة والعقوبات الأمريكية والأثر غير المباشر للانهيار المالي في لبنان المجاور – إلى تدمير قيمة الليرة السورية، مما جعل استيراد القمح باهظ التكلفة، كما عطلت الأزمة إنتاج وتسويق المحاصيل.
ويعتبر القمح تاريخياً أكبر محصول في البلاد، لكن الاكتفاء الذاتي لسوريا، وهو حجر الزاوية في سياسات حزب البعث منذ عقود، كان قد تم تقويضه بالفعل بسبب الحرب والجفاف.
ومنذ عام 2011، تمزق البلاد بسبب “الحرب الأهلية” بعد أن انتفض السوريون ضد الأسد. فقد عانت المحافظات الثلاث الأكثر ثراءً بالأراضي الزراعية – حلب والرقة والحسكة – بشدة من القتال بين قوات النظام المدعوم من روسيا والمقاتلين المدعومين من الغرب وتنظيم داعش المتطرف. دمرت الآلات الزراعية وأصبحت طرق الشحن غير آمنة، في حين زادت تكاليف الإنتاج.
في حين أن هطول الأمطار الغزيرة وتحسين الأمن ساعدا على مضاعفة حجم المحصول السنوي العام الماضي، وفقاً لتقديرات منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، فإن الإنتاج المحلي البالغ 2.2 مليون طن لا يزال تقريباً نصف متوسط ما قبل الأزمة.
ولحشد المؤيدين، ألقت حكومة الأسد باللوم على الولايات المتحدة في الأزمة، ففي إشارة جزئية إلى تأثير العقوبات الاقتصادية الأمريكية، وقد أعاق ذلك قدرة سوريا على استيراد قطع غيار للآلات والمبيدات، كما عطل المعاملات المالية، مما قلل من قيمة الليرة السورية وفاقم الأزمة الاقتصادية الأوسع.
أثرت العقوبات بشدة على واردات الوقود، مما أدى إلى تشويش طوابير طويلة من السيارات على الطرق خارج محطات الوقود، في بعض الأحيان لأكثر من 10 ساعات.
وألقت وكالة الأنباء النظام الرسمية (سانا) باللوم على الرئيس ترامب في حرائق الغابات التي أتت بحقول الحبوب، زاعمة أنه أمر طائرات هليكوبتر أمريكية من طراز أباتشي بحرق مجموعة من محاصيل القمح في محافظة الحسكة شمال شرق البلاد.
وظهر وزير التربية والتعليم دارم الطباع، في مقطع فيديو هذا الشهر في حقل لديه باقة قمح كبيرة، وحث الطلاب على غرس المحصول، قائلاً: “إنكم ترون الآن أهمية حبوب القمح عندما تقفون في طابور للمخابز، وعندما تستيقظون لتناول الإفطار، وعندما تعودون إلى المنزل من المدرسة”.
قوبلت تصريحاته بالسخرية عبر الإنترنت – وحيّر النقاد من فكرة أن القمح ليس أكثر من نبتة منزلية.
وأشارت بعض التقارير في وسائل الإعلام الموالية للحكومة ومنشورات فيسبوك إلى عدم وجود أزمة خبز على الإطلاق، الأمر الذي قوبل بموجة من الغضب، وقال أحد أهالي طرطوس، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته خوفاً من الانتقام، إنه غاضب بشكل خاص من الوزراء الذين “يجلسون هناك ويسخرون من الناس ويعتقدون أن كل شيء على ما يرام”.
وكانت الطوابير قد نمت بشكل كبير لدرجة أن أحد مخابز دمشق أقام سياجاً بارتفاع ستة أقدام لاحتواء المشترين، حيث انتشرت صورة على الإنترنت لرجال محشورين في ما يشبه القفص، مما أثار غضب السوريين في الداخل والخارج من الظروف المهينة التي تشبه السجن.
المصدر : وكالات – أورينت