معلومات قد تهمك
سوري من مدينة حمص.. ماذا تعرف عن أصول ستيف جوبز العربية؟
متابعة – تركيا اليوم
يذكر ستيف جوبز جيدا أنها لم تكن المرة الأولى التي يذهب برفقة بعض أصدقائه إلى هذا المطعم في مدينة ساكرامنتو عاصمة ولاية كاليفورنيا، كان هذا المطعم معروفا بتقديم طعام بحر متوسّطي لذيذ، تُقدم فيه الأكلات الشرقية العربية إلى جانب الأكلات الإيطالية والفرنسية والإسبانية.
ويُذكر أيضا أن صاحب المطعم -الذي عُرف أنه سوري الجنسية- جرى مهرولا إليه إحدى المرات ليصافحه في انبهار، ويخبره أنه فخور بشدة أن أسطورة التقنية العالمي شخصيا يزور مطعمه، وأنه لشرف عظيم له أن يواظب على القدوم إليه عدة مرات. يذكر جوبز أن اسم صاحب المطعم كان عربيا قحّا “عبد الفتّاح الجندلي”، وربما وجد صعوبة في نطق اسمه الأول، فاكتفى بمناداته باسمه الثاني السيد “جندلي” (Jandali)، وهو ما كان يكفيه ليسلّم عليه سلاما عابرا أثناء وجوده في المطعم منشغلا بالحديث مع أصدقائه بخصوص أمر ما بخصوص تفاحته السحرية التي غيّرت مسار التقنية العالمي.
ولكن القدر الذي سجّل هذا الموقف كان يخبّئ لكليهما، “ستيف جوبز” أسطورة التقنية و”عبد الفتاح الجندلي” مالك المطعم، واحدة من أكبر مفاجآته، عندما سيكشف لهما لاحقا -وللعالم أيضا- أن لقاءهما العابر هذا كان أكبر بكثير من مجرد لقاء عادي. في الواقع، كانت هذه هي المرة الوحيدة التي قابل فيها ستيف جوبز والده الذي طالما بحث عنه لسنوات، ولم يتخيّل وقتها أنه كان يصافح أباه البيولوجي الحقيقي وجها لوجه. (1، 2)
في العام 1931، وُلد عبد الفتاح الجندلي في مدينة حمص السورية لعائلة آل جندلي واسعة الصيت والنفوذ في البلدة، والتي تمتد لقبيلة عربية أصيلة يُقال إنها على صلة بالنسب النبوي. كانت العائلة تطبّق معايير الحياة السورية التقليدية الصارمة كافة، الأب لم يكن متعلّما ولكنه كان ذا نفوذ كبير، والأم ربة منزل متدينة عادية. أسرة سورية عادية تقليدية تماما تتمسك بالمبادئ والأخلاقيات المتوارثة، لا شيء خارج عن المألوف. (3)
بعد إنهاء دراسته الثانوية، سافر عبد الفتاح الجندلي إلى بيروت ليلتحق بالجامعة الأميركية ليدرس العلوم السياسية في نهاية الأربعينيات، متشبعا بالأفكار القومية العربية كافة. أثناء دراسته في الجامعة الأميركية تعاظمت اهتماماته السياسية، خرج في تظاهرات استقلال الجزائر وأمضى عدة أيام في السجن. لم ينتمِ بشكل مباشر إلى أحزاب سياسية، ولكنه كان داعما لمحاور الوحدة العربية ومهتما بالأوضاع السياسية الإقليمية، حتى في لبنان التي أقام بها نحو سنة ونصف وصفها لاحقا بأنها “أجمل أيام حياته”.
مع مطلع الخمسينيات سافر عبد الفتاح الجندلي إلى أميركا ليبدأ مرحلة جديدة من حياته وهو على مشارف العشرين من العمر، حيث انتقل إلى نيويورك والتحق بمنحة دراسية في جامعة “ويسكونسن” تُمكّنه من الحصول على درجة الدكتوراه في الاقتصاد والعلوم السياسية. ولم تمرّ سنوات قليلة إلا وكان القدر قد رتّب لقاءه مع تلك الفتاة الحسناء التي ستكون الطرف الثاني من الحكاية. (4، 5)
كطالب دكتوراه، كان من ضمن المهام الأكاديمية لعبد الفتاح الجندلي أن يُحاضر في بعض الدورات التدريبية للطلبة، ليقابل للمرة الأولى “جوان كارول شيبل” التي سحرته عندما رآها للمرة الأولى أثناء حضورها لإحدى محاضراته. كانت أميركية شقراء تنحدر من أصول ألمانية وسويسرية كاثوليكية، وكانت في مثل عمره تقريبا. وجد فيها كل ما يثير الإعجاب، فبدأت تنشأ بينهما علاقة عاطفية تحولت إلى مواعدة غرامية بين الشاب السوري المسلم المهاجر والشابة الأميركية الكاثوليكية ذات الأصول الأوروبية البحتة.
لم تمضِ عدة أشهر إلا وانتفخت بطن جوان معلنة عن قرب وصول مولودها الأول من علاقتها الغرامية بعبد الفتاح الجندلي الذي أصبح يُنادى بـ “جون” منذ قدومه إلى أميركا. وعلى الرغم من أن هذا الأمر يعتبر “عاديا” بالنسبة للتقاليد الأميركية المتحررة، فإنه لم يمرّ بهذه السهولة بعد أن تفاقمت المشكلات بين “جوان” وعائلتها الكاثوليكية المحافظة، والتي أبدت استياءها الكامل من مواعدتها لشاب عربي مسلم، وأبدت الرفض الكامل لزواجها المُحتمل به، بل وهددتها بقطع علاقاتها بها بشكل كامل إذا استمرّت في علاقتها معه.
في العام 1954، وأثناء فترة حمل جوان، سافر الاثنان معا إلى حمص لتتعرّف جوان على أسرة عبد الفتاح الجندلي، وتقضي بعض الوقت معه في بلده بعيدا عن مشكلاتها مع أسرتها. في النهاية، عاد الاثنان مرة أخرى إلى أميركا وقد بدا أنهما يرضخان لضغوط والديها برفضهما القاطع للزواج. قرر الاثنان أن أفضل تصرّف هو أن تلد جوان الطفل، ويعرضانه للتبنّي لأسرة تتولى تربيته ورعايته.
لاحقا، وبحسب رواية الجندلي، سافرت جوان بمفردها سرا إلى سان فرانسيسكو لتضع وليدها بعيدا الذي جاء إلى الدنيا في 24 فبراير/شباط عام 1955، وتبدأ في رحلة البحث عمن يتبنّاه لتتخلّص من الطفل الذي اعتبر الجميع أنه من المريح لكل الأطراف أن يتخلصوا منه لصالح أسرة أخرى. (4، 5، 6، 7)
عندما وضعت “جوان شيبل” طفلها، اشترطت -يبدو من باب رفع الشعور ببعض الذنب في ترك وليدها في دار للتبني- أن تكون الأسرة التي تتبنّى طفلها أسرة متعلّمة وكاثوليكية وثرية. لم يمرّ الكثير من الوقت حتى جاءت أسرة يبدو أن الصفات الثلاثة تنطبق عليهم، إلا أنهم عندما رأوا الطفل غيّروا رأيهم لاحقا وقالوا إنهم ليسوا في حاجة إليه، وأنهم قرروا أن يتبنّوا فتاة.
ثم ظهر آل جوبز، بول راينهولد جوبز كان شابا يعمل ميكانيكيا في حرس السواحل ومتزوّجا من السيدة كلارا المنحدرة من أصول أرمنية، ونشأ كلاهما في سان فرانسيسكو. بعد مرور عدة سنوات عرف الزوجان أنه من المستحيل أن ينجبا طفلا بسبب مشكلات كبيرة في الرحم عانت منها كلارا، وهو ما دفعهما للبحث عن تبنّي طفل في العام 1955.
كان رد فعل “جوان شيبل” الرفض القاطع في البداية، فالزوجان لا تنطبق عليهما الشروط الثلاثة؛ كلاهما لم ينل تعليما جامعيا، وكلاهما لا يبدو متدينا بهذا القدر، ولا يُعتبران ثريين وإنما متوسّطا الطبقة الاجتماعية -بالمعايير الأميركية-. ومع إصرار كلٍّ من بول وزوجته في تبني الطفل، وافقت “شيبل” أخيرا على ترك الطفل لهم لتبنّيه، بعد أن أخذت وعدا قضائيا مباشرا منهما أن يجعلوه يلتحق بالجامعة.
أخيرا، انتقل الطفل الرضيع إلى منزل بول وكلارا ليأخذ اسم “ستيف جوبز”. خلال ستة الأشهر الأولى، قضت الأم وقتا في تربية الطفل بحذر وخوف لأنها كانت تعتقد أنه من الممكن أن يُؤخذ منها ستيف في أي وقت من أمه البيولوجية، وكانت -بحسب ما حكت هي نفسها إلى صديقة ستيف لاحقا- تمنع نفسها من أن تحبه بشكل خاص خوفا من اختفائه من حياتها فجأة. لاحقا، وبعد مرور سنتين، كان ستيف طفلا صعبا لدرجة أن أمه بالتبني شعرت أنهما ارتكبا خطأ بتبّنيه، وفكّرا في إعادته مرة أخرى إلى ملجأ التبنّي، وهو ما لم يحدث.
لاحقا، وفي العام 1957، انضمّت باتريشيا إلى العائلة، طفلة أخرى تبنّاها بول وكلارا لتصبح أخت ستيف. انتقلت العائلة في العام 1961 إلى منزل جديد في ماونتن فيو كاليفورنيا، وكان بول حريصا بشكل كبير على تخصيص ورشة عمل في مرآب المنزل لستيف، حتى “ينقل إليه حب الميكانيكا الذي يسري في دمه”. بالطبع لم يكن بول يعلم أن حبه للميكانيكا سينتقل إلى ستيف بالفعل، وأن طفله هذا سيكون أسطورة تقنية تسير على قدمين في العقود اللاحقة. (4، 5، 6، 7)
المصدر : الجزيرة