مقالات وتقارير
“بنتاغون تركيا”.. ماذا يعني بناء مقر مشترك للدفاع والأركان وقيادة القوات؟
في أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا منتصف يوليو/تموز 2016، والتي نفذها أعضاء تنظيم كولن الإرهابي من منتسبي القوات المسلحة التركية بشقيها البرية والجوية، تكشفت الحاجة إلى ضرورة وجود مقر كبير واحد يجمع وزارة الدفاع وهيئة الأركان وقيادات القوات البرية والجوية والبحرية، وذلك من أجل تعزيز التنسيق بين القيادات العليا فضلاً عن قطع الطريق أمام أي محاولة انقلاب بالمستقبل.
والمجمع الجديد بحسب المراقبين يسهل من عمل وتواصل قيادات القوات العليا مع هيئة الأركان ووزارة الدفاع بشكل فعال وأكثر كفاءة مقارنة بعملها الآن في 5 مقرات منفصلة تقع جميعها في منطقة “كيزيلاي” المزدحمة، المركز التجاري والسكني للعاصمة التركية أنقرة، بالإضافة إلى أن المقر الجديد يقع بالقرب من مقر وكالة الاستخبارات التركية الجديد المسمى بـ”القلعة” الذي افتتح بداية العام الماضي.
وبعد خمس سنوات من انتشار خبر المقر الجديد، سار المشروع الذي أطلق علية الكثيرون اسم “البنتاغون التركي” خطوته الأولى نحو الواقع، وذلك بعد مشاركة الرئيس رجب طيب أردوغان في فعاليات وضع حجر الأساس لمشروع بناء المقر الضخم الذي يتخذ شكل الهلال والنجمة الاثنين الماضي، الذي يصادف الذكرى الـ99 لمعركة دوملوبينار التي شكلت آخر الانتصارات التركية ضد قوى الاحتلال الغربي، والتي أرست أسس الجمهورية التركية الحديثة في عشرينيات القرن الماضي.
رمزية الهلال والنجمة
كما هو حال جميع الأعمال الفنية، تتغذى الأعمال المعمارية من الحياة والخصائص الثقافية والتاريخية للمجتمع الذي تُصمَّم وتُبنى لأجله، حيث تعد مرآة تعكس روح الحضارة والقيم التاريخية والرمزية للبلاد التي تبنى على أراضيها. ولهذا فإن مشروع المجمع المشترك، الذي من المقرر الانتهاء منه في الذكرى المئوية الأولى لقيام الجمهورية التركية الحديثة، يحمل أيضاً هوية معمارية تعكس الهيكل الحديث والديناميكي والقوي لتركيا بشكل عام وقواتها المسلحة بشكل خاص.
وسيبنى مشروع “البنتاغون التركي” على شكل هلال مكون من خمس مبانٍ ضخمة يتوسطه مبنى على شكل نجمة سيكون مدخلاً وقاعة عرض، مشكلاً بذلك رمزي الهلال والنجمة الموجودين على العلم التركي الذي جرى اعتماده منذ حقبة السلطان العثماني عبد المجيد عام 1844 ولغاية يومنا الحالي.
وخلال حفل تدشين المشروع في المقر الجديد، قال أردوغان: “مشروع الهلال والنجمة سنجمع فيه وزارة الدفاع وهيئة أركاننا وجميع قيادات قواتنا”، وأضاف: “سننشئ صرحاً يثير الخوف للعدو ويمنح الثقة للأصدقاء”. وأشار الرئيس التركي إلى أن المبنى الجديد الذي سيلبي الاحتياجات الدفاعية لتركيا سيضيف قيمة مختلفة للعاصمة التركية أنقرة.
مجمع واحد يجمع 5 مقار
عقب الانتهاء من أعمال البناء وافتتاحه في 19 مايو/أيار 2023، سيستضيف المجمع، وزارة الدفاع وهيئة الأركان العامة فضلاً عن قيادات القوات البرية والجوية والبحرية. يذكر أنه سيتم نقل مقر وزارة الدفاع التركية في البداية، ومن ثم جميع قيادات القوات الأخرى في مرحلة لاحقة.
وسيُمكّن المقر الجديد المسمى مبدئياً بـ”الهلال والنجمة” من جمع مباني وزارة الدفاع ومقار القوات المسلحة التركية تحت سقف واحد، عوضاً عن تناثرها داخل مبانٍ قديمة بنيت خلال حقبة الثلاثينيات، الفترة التي أعقبت تأسيس الجمهورية التركية بسنوات قليلة، في منطقة “كيزيلاي” المزدحمة داخل العاصمة أنقرة.
وبحسب وزارة الدفاع التركية، سيقام المشروع على قطعة أرض تبلغ مساحتها نحو 12.6 مليون متر مربع، حيث سيتم بناء مبانٍ بمساحة إجمالية تصل إلى نحو 890 ألف متر مربع، قادرة على استيعاب 15 ألف شخص، فضلاً عن مكان مخصص للعروض العسكرية بمساحة 23 ألف متر مربع وسط المجمع.
مجمع يعزز التعاون ويسهل التنسيق
الغرض الأساسي من بناء مجمع واحد ضخم يجمع تحت سقفه جميع مقار القوات المسلحة التركية، هو تعزيز التعاون والعمل المشترك والتنسيق السريع بين القيادات العليا وهيئة الأركان العامة تحت مظلة وزارة الدفاع التركية من ناحية، ومن ناحية أخرى، سيمكن من استخدام الموارد بشكل أكثر كفاءة من خلال توفير الكثير من الوقت والطاقة والقوى العاملة. كما أن قرب المجمع المشترك من مقر وكالة الاستخبارات التركية سيعزز من كفاءة وفاعلية المؤسسة الدفاعية التركية بشكل عام.
ومنذ محاولة الانقلاب الفاشلة منتصف يوليو/تموز 2016، والآراء متفقة داخل وزارة الدفاع على ضرورة بناء مقر ضخم يجمع قيادات القوات المسلحة تحت سقف واحد من شأنه أن يقطع الطريق على أية محاولات انقلابية قد يقوم بها أي أفراد داخل الجيش مستقبلاً، وذلك بسبب وجود المقار العليا داخل نفس المجمع ما يجعل من أخذ قرارات فردية أمراً صعباً للغاية، بعكس ما كان عليه الأمر وقت محاولة الانقلاب الأخيرة.
وخلال السنوات الأخيرة، وتزامناً مع حدة الهجمات السيبرانية على مستوى والتغير المستمر في مجال الاحتياجات الدفاعية، أصبح واجباً على جميع أفرع الجيش ووزارة الدفاع أن تعمل داخل مقر واحد قوي ومحصن ضد أي هجمات إلكترونية وسيبرانية، بالإضافة أيضاً إلى الهجمات العسكرية التقليدية.
وفي هذا الصدد أشار أردوغان إلى أن إنشاء مثل هذا الصرح يستحوذ على أهمية بالغة في فترة يتحدث فيها العالم عن الهجمات الإلكترونية والسيبرانية. ولفت إلى أن المبنى الذي سيتم تشييده لن يكون مجهزاً بأحدث التقنيات فحسب، بل سيتميز أيضاً بحساسيته للبيئة.