السياحة في تركيا
السوق المسقوف بإسطنبول.. أول “مول” تجاري في العالم قبل 560 عاماً
بمساحته المغلقة الضخمة التي تبلغ أكثر من 40 ألف متر مربع ومتاجره (4 آلاف) وشوارعه الـ66 المسقوفة، يعد السوق المسقوف الواقع بقلب إسطنبول التاريخية أقدم مركز تجاري محافظ على وظيفته الحقيقية التي بُني من أجلها منذ نحو 560 عاماً.
بعد فتح مدينة إسطنبول على يد السلطان العثماني محمد الثاني (الفاتح) عام 1453، ومن أجل أن تأخذ عاصمة الدولة العثمانية الجديدة مكانتها المرموقة بين عواصم الإمبراطوريات العالمية الأخرى، أمر الفاتح عام 1461 بإنشاء سوق كبير يعكس الهوية الجديدة لمدينة إسطنبول، ويكون قلبها النابض في أوقات السلم.
ويعتبر السوق الكبير الذي بدأت أعمال جزئه الأول قبل نحو 560 عاماً أقدم الأسواق التجارية المغلقة بالعالم وأضخمها، ولا يزال ينبض بالحياة منذ تأسيسه على يد السلطان الفاتح منتصف القرن الـ15.
بمساحته التي تزيد على 40 ألف متر مربع، ومتاجره (4 آلاف) التي تحوي بين جدرانها جميع المنتجات التقليدية التركية من مجوهرات وحلويات وبهارات ومنسوجات ونحاسيات وأشياء أخرى عديدة، يعتبر السوق المغلق في حي الفاتح بمدينة إسطنبول بمثابة الوجهة السياحية الأكثر جذباً للسياح في المدينة التاريخية التي يزورها ملايين الزوار سنوياً سواءً من داخل تركيا أو خارجها.
هندسية السوق
مثل المتاهة العملاقة، يعد السوق المسقوف بشوارعه الـ66 ومتاجره الـ4000 على مساحة 40 ألف متر مربع مركزاً تجارياً فريداً يزوره كل من يأتي لزيارة إسطنبول. والسوق الضخم الذي يعد مدينة مغطاة بالكامل تطور ونما بمرور الوقت منذ عهد الفاتح منتصف القرن الـ14 وفترة حكم سليمان القانوني الذي وسعه في القرن الـ16، وما تلاهم بعد ذلك من سلاطين وحكام.
وحتى وقت قريب ضم السوق إلى جانب المتاجر والأزقة 5 مساجد ومدرسة و7 نوافير و10 آبار ونافورة وسبيل ماء بالإضافة إلى 24 بوابة و17 نزلاً.
بُني السوق وتوسع بجانب مبنيين مُقببين بجدران سميكة، الأول يدعى “جواهر” ويتكون من 15 قسماً منفصلاً، كل منها مزخرف تعتليه قبة، أما الآخر فمكون من 50 قبة ويطلق عليه اسم “صاندال” نسبة إلى قماش كان يصنع من القطن والحرير. ويوصف هذان المبنيان بأنهما قلاع لسماكة جدرانهما، وكانا في الماضي يحتويان على صناديق حديدية لحفظ المال والسجلات.
وبمرور الوقت سُقفت الشوارع والأزقة المحيطة بالمبنيين وقُسمت بين أرباب المهن المختلفة، فكل شارع كان يضم متاجر أصحاب الحرفة الواحدة، فمثلاً تجار الحلي والذهب وصناعهما يجمعهم مكان واحد، وتجار الأقمشة يجمعهم شارع آخر وهكذا.
ويُذكر أن السوق الكبير على مدار القرون السابقة تعرض لزلازل وحرائق مدمرة، إلا أنه بعد كل كارثة تصيب السوق وتأتي على مبانيه كان السلاطين والحكام يسارعون إلى إعادة بنائه وتطويره بشكل أفضل من السابق.
بين الماضي والحاضر
عُرف السوق وقت تأسيسه باسم “السوق الكبير” (Çarşu-yı Kebir). وإلى جانب هدف تنظيم الأعمال التجارية في العاصمة الجديدة بناه الفاتح لتوفير مصدر دخل شهري لمسجد آيا صوفيا، وهو المعمول به حتى يومنا الحالي، فيذهب ريع الإيجار إلى وقف خير أنشأه الفاتح من أجل المسجد.
ويعد السوق المسقوف بإسطنبول من بين المباني التاريخية النادرة التي لا تزال محافظة على وظيفتها الحقيقية التي بُنيت من أجلها، وذلك بعكس المباني والمنشآت التاريخية الأخرى كالمدارس وأحواض بناء السفن ومصانع صك العملة وغيرها.
ولم يكن السوق المسقوف مجرد سوق وحسب، بل كان ولا يزال من أهم المشاريع الاقتصادية للدولة العثمانية سابقاً والجمهورية التركية لاحقاً، إذ يُعتبر حلقة الوصل بين آسيا وأوروبا.
يتميز السوق المسقوف بموقعه المتميز بقلب القسم التاريخي من مدينة إسطنبول، منطقة السلطان أحمد. وهو على مقربة أيضاً من مسجد آيا صوفيا والمسجد الأزرق، ويلتقي في نهايته مع السوق المصري بمنطقة أمينونو، كما يسهل الوصول إليه عبر الحافلات والسيارات فضلاً عن خط الترام.
وحتى يومنا الحالي يزور السوق عشرات الملايين من الزوار سنوياً. فحسب مجلة (The Time) الأمريكية التي وصفت السوق بأنه أحد أكثر الأماكن التاريخية زيارة حول العالم، فإن السوق المسقوف استقبل عام 2016 أكثر من 91 مليون زائر. ما يدل على أهمية السوق للسياح والمواطنين على حد سواء.
ويعتبر السوق ومنطقته بمثابة محطة تجارية وثقافية مهمة وسط إسطنبول لانتشار المتاجر والمصارف وكبريات الشركات والمطاعم والأسواق القريبة من جامعة إسطنبول العريقة التي تأسست مع فتح إسطنبول.
وإلى جانب الأعمال التجارية تنظم في ميدان بيازيد بالقرب من السوق فاعليات ثقافية واجتماعية عديدة كالمسارح والحفلات الغنائية ومعارض الكتب، كما تستضيف نشاطات عديدة في شهر رمضان، وهي نقطة تجمع لأهالي إسطنبول المحبين للعودة إلى تاريخ إسطنبول القديم.
كما أن سقف السوق الشهير كان قد شهد تصوير بعض من مشاهد فيلم (Skyfall)، أحد أفلام سلسلة جيمس بوند الشهيرة الذي عرض عام 2012.