مقالات وتقارير
صحيفة تركية: هل حقا لا يريد الأتراك اللاجئين؟
نشرت صحيفة “دوار” التركية مقال رأي للكاتبة أصليهان أيكاتش، تحدثت فيه عن استهداف اللاجئين والمهاجرين في تركيا خاصة خلال أوقات الأزمات الاقتصادية، ليكونوا كبش الفداء الذي يحمّلونه أسباب كل المشاكل التي يُعانون منها.
وقالت الكاتبة، في تقرير ترجمته “عربي21″؛ إن الخطابات والمفاهيم التي تدعم مثل هذا الاعتقاد تتسبب بدورها في تجاهل الاضطرابات الهيكلية التي تشكل جذور المشكلات الاقتصادية، في الوقت الذي يجب التركيز على الاقتصاد غير المنتج والمعتمد على التوريد حتى في توفير الاحتياجات الأساسية.
عادت قضية اللاجئين مرة أخرى إلى المشهد الرئيسي، بعد عرض الفيلم القصير المناهض للاجئين الذي نُشر بدعم من عضو البرلمان المعارض أوميت أوزداغ.
ولفتت الكاتبة إلى أن هناك من يعتمدون على مقاطع تيك توك في الحصول على معلوماتهم، ويعتقدون أن البلد صارت تحت الغزو بناء على معلومات لم يتم التحقق من مصدرها ومحتواها، مع أن الهجرة ظاهرة يعيشها العالم أجمع وليس فقط تركيا – من أمريكا الجنوبية إلى أمريكا الشمالية، ومن آسيا وأفريقيا إلى أوروبا، ومن جنوب شرق آسيا إلى أستراليا.
وأشارت الكاتبة إلى أن الهجرة ليست ظاهرة جديدة، وإنما شهد التاريخ هجرة القبائل والاكتشافات الجغرافية وتحول المستوطنين الأوائل إلى الأمريكيتين، وموجات الهجرة في جميع أنحاء أوروبا في نهاية الحربين العالميتين، وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي.
ورأت أن سبب كون الهجرة ملفا شائكا في تركيا، يعود إلى كونها تستضيف أكبر عدد من اللاجئين في العالم، بينما تفتقر إلى سياسة هجرة متكاملة وبنية تحتية مناسبة لإدارة الوضع.
كما أن تركيا ليست وجهة للمهاجرين فحسب، بل هي أيضا نقطة عبور. وعند الحديث عن اللاجئين، فإن المقصود ليس كتلة سكانية مستقرة، وإنما حركة ديموغرافية ديناميكية وجب على الدولة مراقبتها وتحليلها وإدارتها. وفي أثناء إدارتها لهذه العملية، يجب عليها صياغة سياسات فعالة في ثلاثة مجالات رئيسية.
أولا، من الضروري تلبية الاحتياجات الأساسية لهؤلاء المهاجرين، وضمان تكيفهم الاجتماعي واتخاذ التدابير القانونية والمؤسسية التي تمنع حدوث مشاكل أمنية. وأشارت الكاتبة إلى أن تلبية إدارة الهجرة التركية وقانون الأجانب والحماية الدولية لهذه الاحتياجات موضع نقاش.
ثانيا، بدلا من استخدام اللاجئين كأداة في السياسة الخارجية وكبطاقة مساومة، ينبغي النظر في خيارات مثل العودة الآمنة إلى الوطن إن أمكن، من خلال العلاقات الدبلوماسية أو حتى إعادة توطينهم في بلد ثالث.
ثالثا، والأهم هو البعد الاقتصادي للاجئين والهجرة، إذ تؤكد الكاتبة أن التعاطي مع هذا الموضوع من منطلق “نحن نطعم اللاجئين، ونوفر لهم الرعاية الصحية مجانا، وأخذوا منا وظائفنا”، سطحيٌ للغاية.
الأوجه المختلفة لاقتصاد الهجرة
بالنظر إلى العواقب الاقتصادية للهجرة بجميع أشكالها القانونية وغير القانونية، النظامية وغير النظامية، فإن القضية الأولى التي تبرز في المقدمة هي العمالة المهاجرة، فغالبا ما يكون المهاجرون نعمة للشركات التي تتطلع إلى خفض تكاليف العمالة. وبغض النظر عن مدى تعرضهم للاستغلال، لا يمكن لهؤلاء المهاجرين السعي وراء حقوقهم أو المطالبة بها في ظل غياب تصريح العمل.
وحسب دراسة نشرتها منظمة العمل الدولية سنة 2020، فإن 37 بالمئة من السوريين في تركيا أطفال دون سن 14 عاما، وأكثر من نصفهم من فئة الشباب دون سن 34 عاما. يبلغ معدل توظيف الأطفال الذكور في سن 15 عاما، 66 في المئة. وبالنظر إلى العدد المحدود للسوريين الخاضعين لبرنامج الحماية المؤقتة، فإن هؤلاء الأطفال يعملون بشكل غير رسمي أيضا. كما أن نسبة النساء السوريات ممن هم في سن العمل، أقل بكثير من النساء التركيات.
وحسب هذه الدراسة، فإنه يمكن للسوريين العمل في أي وظيفة بغض النظر عن ظروف العمل، خاصة في الوظائف التي لا يرغب السكان المحليون بالعمل بها. وعلى الرغم من أن حوالي 80 في المئة منهم يعملون في مجال التجارة والبناء والتصنيع، إلا أن حوالي الثلث تقريبا يعملون في صناعات النسيج والملابس والجلود والأحذية، التي من المعروف أنها كثيفة العمالة. وهذا يدل على أن السوريين هم الأدنى في سوق العمل، ويعملون في وظائف لا تتطلب المهارة ومحفوفة بالمخاطر ومنخفضة الأجور.
أما المسألة الثانية في اقتصاد الهجرة، فهي أن المهاجرين الذين يركزون على تأسيس حياة جديدة لديهم ميل كبير للادخار، ويقومون بتحويل العملات الأجنبية لبلدهم الأم. لهذا السبب، فإن الجزء المندمج في النظام الذي يتمتع بإنتاجية عالية نسبيا، يساهم في الاقتصاد من خلال مدخراته. لكن ظروف عمل اللاجئين في تركيا – السوريين بشكل خاص – لا تساعد على الادخار. أما أولئك الذين تمكنوا من الاستقرار بعد مضي 11 عاما واستطاعوا أن يؤسسوا حياتهم، فلا يشكلون سوى أقليّة.
وحسب الكاتبة، تتمثل المسألة الثالثة في أن المهاجرين يتسببون في زيادة الطلب في مجالات اقتصادية معينة في البلدان التي يذهبون إليها. وإلى جانب زيادة الطلب على السكن وتلبية الاحتياجات الأساسية، فإن عملية الهجرة يمكن أن تخلق أيضا بعض القطاعات الفريدة، مثل الارتفاع الكبير الذي حصل في مجال إنتاج سترات النجاة، وذلك خلال فترة العبور المتزايد من سواحل بحر إيجة إلى اليونان.
أما المثال الأكثر شيوعا للاستفادة من اقتصاد الهجرة، هو المنح والمساعدات التي تلقتها الجهات الفاعلة الوطنية والدولية العاملة في مجال الهجرة في تركيا في السنوات العشر الماضية، وظهور فرص عمل جديدة في استخدام وإدارة هذه الموارد، واستهداف التكامل الاقتصادي بين المستفيدين.
وفي تقييمنا لاقتصاد الهجرة بأبعاده المختلفة، لابد من الحديث عن تصنيف المهاجرين. فمن ناحية، هناك جماعة الطبقة الدنيا التي غادرت بلادها لأسباب أمنية واقتصادية، ودخلت تركيا بشكل غير قانوني سعيا إلى حياة أفضل. ومن ناحية أخرى، هناك من يشتري عقارات بقيمة 250 ألف دولار ويحصلون على تصاريح إقامة وحتى على الجنسية. فهل من يشتكي من اللاجئين عادة منزعج من هذه الفئة أيضا؟
من خلال مقالها، تظهر الكاتبة أن الهجرة ظاهرة عالمية حتمية، وإذا تمت إدارتها بشكل صحيح فإنها ستوّلد تحولا مجتمعيا إيجابيا على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي. وعزت مشاكل البطالة وارتفاع تكلفة المعيشة والفقر الذي يعيشه الشعب التركي اليوم إلى السياسات الاقتصادية الخاطئة.
منهج واقعي بعيد عن الكراهية
أشارت الكاتبة إلى أنه ليس لدى تركيا خيار ترحيل اللاجئين أو إعادتهم دون قيد أو شرط في إطار القانون الدولي، ولا مفر من إعادة بناء العلاقات الدبلوماسية مع الأسد. وهي تعتقد أنه على تركيا أن تضع خططا قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى لسياساتها تجاه المهاجرين، وتعمل على تقييم نتائجها الاجتماعية والاقتصادية. وبدلا من استخدام خطابات غامضة مثل “سنرسلهم، لن نرسلهم، فليذهبوا طواعية”، يجب أن يقوم برنامج الهجرة على سياسات واضحة.
وفي الختام، شددت الكاتبة على ضرورة تطوير سياسات فعالة من أجل تسيير عملية تكيف المهاجرين الدائمين، ومن ثم القضاء على بوادر الصراع الاجتماعي الذي من الممكن أن يشكل خطرا على المجتمع ككل، وليس على اللاجئين وحدهم.