أخبار تركيا اليوم
طرد وأحكام قضائية وإسقاط عضوية.. اضطرابات داخل أكبر أحزاب المعارضة التركية
يعاني حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة في تركيا، من أزمات عديدة في الفترة الأخيرة، شملت طرد مسؤولين وإحالة آخرين إلى اللجنة التأديبية، فيما أسقط القضاء عضوية رئيسة الحزب في إسطنبول جانان كافتانجي أوغلو، بعد صدور حكم قضائي بسجنها. هذه التطورات تطرح تساؤلات عما يجري داخل الحزب الكمالي، الذي يقوده كمال كلجدار أوغلو، خصوصاً أنها تأتي قبل نحو عام من الانتخابات البرلمانية والرئاسية، المقررة في يونيو/حزيران 2023، وحول تأثيرات ذلك على حظوظ هذا الحزب. ويتحدث مراقبون عن أن حزب الشعب الجمهورD يسعى عبر هذه الترتيبات إلى تنظيم صفوفه تحضيراً للانتخابات، والتخلص من شخصيات تسبّبت بالضرر له داخلياً ومع الخارج أيضاً، والخروج بأقل الخسائر الممكنة، على الرغم من الضربات التي يتعرض لها.
إبعاد وطرد وتأديب داخل “الشعب الجمهوري” التركي
وطردت لجنة التأديب في الحزب رئيس بلدية مدينة بليجيك سميح شاهين، من صفوفه، بعدما أُبعد عن مهامه من قبل وزارة الداخلية، بسبب تورطه في قضايا تتعلق بالفساد، وفق تحقيقات الوزارة التي مدّدت إبعاده عن مهامه في البلدية شهرين آخرين حتى 25 أغسطس/آب المقبل إلى حين استكمال التحقيقات وانتقال القضية للقضاء.
كما أحال “الشعب الجمهوري”، يوم الثلاثاء الماضي، رئيس بلدية بولو، تانجو أوزجان، إلى لجنة التأديب، بعدما عُرف أوزجان بقراراته ضد اللاجئين المتواجدين في ولايته، ولا سيما السوريون منهم، وسعيه إلى طردهم.
ولكن القضية التي نقلت أوزجان إلى لجنة التأديب تعود إلى حديث له قبل أيام تجاه عضوة مجلس البلدية عن “العدالة والتنمية” هاجر تشنار التي رفعت يدها طالبة الحديث في اجتماع لمجلس البلدية، لكنه لم يعطها حق التحدث وخاطبها قائلاً “من المعيب أن ترفعي يدك فأنا رجل متزوج”، ما اعتُبر تحرشاً، وأثار ردود فعل كبيرة.
ومُنع أوزجان من المشاركة بأي فعالية للحزب، إلى حين تقديم دفاع عن نفسه. وهذه ليست المرة الأولى التي يحرج فيها أوزجان حزب الشعب الجمهوري، الذي يسعى مع اقتراب الانتخابات البرلمانية والرئاسية، لاستمالة الشرائح المحافظة من الأتراك.
بالتوازي مع ذلك، أسقط القضاء التركي الثلاثاء الماضي، عضوية رئيسة فرع الحزب في إسطنبول جانان كافتانجي أوغلو، بعد تأكيد حكم بحقها في وقت سابق بالسجن 4 سنوات و11 شهراً، بتهمة إهانة واحتقار موظف حكومي، وإهانة الدولة التركية بشكل علني، وإهانة واحتقار رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان، وذلك عبر تغريدات لها على “تويتر” قبل سنوات.
وعلى الرغم من دخول الحكم موضع التنفيذ، إلا أنه لم يتم إدخال كافتانجي أوغلو السجن، بسبب قوانين الإفراج المشروطة بالرقابة القضائية التي يُعمل بها منذ تفشي جائحة كورونا، ولكن الحكم بات نافذاً، وهو ما دفع النيابة العامة للمحكمة الإدارية العليا لإسقاط عضوية الحزب منها، ما يطاول أيضاً رئاسة فرع الحزب في إسطنبول.
وعلى الرغم من ذلك فإن كلجدار أوغلو أعلن أكثر من مرة رفضه هذا القرار وأن كافتانجي أوغلو ما زالت زعيمة الحزب في إسطنبول. ويُحسب لكافتانجي أوغلو نجاحها في ترتيب صفوف المعارضة في المدينة في الانتخابات المحلية التي أجريت في عام 2019 ونجحت خلالها المعارضة بالفوز في المدينة.
ورفض مسؤولون في الحزب التعليق لـ”العربي الجديد” على هذه التطورات، مشيرين إلى صدور بيان من الحزب. وجاء في البيان أن “قرار المحكمة الإدارية العليا حول عضوية جانان كافتانجي أوغلو هو بحكم العدم بالنسبة الحزب، ولا يعني شيئاً سوى الإبلاغ القانوني بعد القرار القضائي الصادر بضغط من الحزب الحاكم (العدالة والتنمية)، وكافتانجي أوغلو مرتبطة بالحزب قلبياً ومنتخبة وهي بالفعل رئيسة فرع الحزب في إسطنبول”.
رسائل انفتاح وترتيب أوراق
وتعليقاً على التطورات داخل “الشعب الجمهوري”، رأى الكاتب والمحلل السياسي فراس رضوان أوغلو، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “الحزب يريد إبراز صورتين للداخل والخارج في آن واحد: في الداخل يسعى إلى إظهار أنه يعيد ترتيب صفوفه ومحاسبة بعض العناصر التي لم تلتزم بمساره، أما خارجياً فيريد القول إن بعض الشخصيات التي كانت تتكلم بصيغة عنصرية كما في حالة أوزجان، ليس مرغوباً بها في الانتخابات”. واعتبر رضوان أوغلو أن “الشعب الجمهوري يعلم أهمية العلاقات التركية مع الدول العربية وتأثيرها الكبير في الاقتصاد التركي، ويريد إيصال رسالة انفتاح إلى الخارج”.
وبالنسبة إلى قضية كافتانجي أوغلو، توقع الكاتب والمحلل السياسي أن يوقف الحكم بحقها عملها السياسي. وأشار إلى أنه لم يكن لكافتانجي أوغلو دور في المهام المستقبلية داخل الحزب، متحدثاً عن “صراعات بين الأسماء الكبيرة داخل الحزب والجديدة مثل رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، فالقدامى يخافون من الأصوات الجديدة، وهذا صراع سياسي موجود بشكل كبير في تركيا مثلما حصل مع بقية الأحزاب التي شهدت انشقاقات”.
من جهته، قال المحلل السياسي محمد جيرين، لـ”العربي الجديد”، إن “الشعب الجمهوري يتعرض في الفترة الأخيرة لمجموعة من الأحداث الخارجية والداخلية التي تؤثر به، وهو يحاول الخروج بأقل الخسائر”. وأضاف جيرين أن الحزب المعارض التركي “لا يرغب بأن تسبّب المسائل الداخلية كالنقاشات المتعلقة بشرائح المجتمع، بحساسيات مع المحافظين، ويسعى في الوقت نفسه إلى عدم خسارة حاضنته العلمانية الكمالية، وهو ما قاد أوزجان إلى لجنة التأديب وليس بسبب خطاباته العنصرية ضد الأجانب”.
ولفت جيرين إلى أن “طرد رئيس بلدية بيلجيك رسالة واضحة أن الحزب ضد الفساد ولا يتساهل بهذا الأمر، وإن كان على حساب فقدان البلدية”، مضيفاً أن “ما يحصل هو في سبيل ترتيب البيت الداخلي له وصولاً إلى الاستقرار قبل الانتخابات وتبييض صورته أمام ناخبيه والشعب التركي عموماً”.
وفي ما يخص إسقاط عضوية رئيسة الحزب في إسطنبول، رأى جيرين أنها “ضربة كبيرة للحزب، خصوصاً أن إسطنبول أهم المدن ولها ثقلها الانتخابي، لكن الشعب التركي اعتاد على نصرة من وقعت عليه المظلومية، والشعب الجمهوري سيحاول الاستفادة من هذا القرار بإشاعة المظلومية وكسب المزيد من المؤيدين في الانتخابات المقبلة”.