أخر الأخبار
كيف أثر الانقلاب الفاشل بتركيا على سياستها داخيا وخارجيا؟
تحتفي تركيا اليوم الجمعة، بذكرى فشل الانقلاب في 15 تموز/ يوليو 2016، التي أحدثت تغيرات جذرية على السياسة الداخلية والخارجية لتركيا.
وخلال 15 ساعة فقط، نجح الشعب والسلطات التركية في إجهاض محاولة الانقلاب الفاشلة التي قادتها مجموعة من الضباط المنتسبين لـ”منظمة فتح الله غولن” القابع في بنسلفانيا الأمريكية.
وأصبحت تركيا تسعى للمزيد من الاستقلالية والذاتية في الفترة التي تلت محاولة الانقلاب، وبالتزمن مع إيجاد بيئة تجانسية في السياسة الداخلية قائمة على الاستقلالية، سعت البلاد إلى أن تكون أكثر تأثيرا واستقلالية في السياسة الخارجية، بحسب ما ذهب إليه تقرير مجلة تركية.
وفي التقرير الشهري لمجلة “كريتر” التركية، أوضح الخبير التركي محي الدين أتمان، أن محاولة الانقلاب الفاشلة على صعيد السياسة الداخلية، أعطت الفرصة لإعادة هيكلة السياسة والمؤسسات في البلاد، وظهرت إمكانية التدخل في الكثير من المؤسسات والقضايا التي لم يتم التدخل فيها وحلها منذ عشرات السنوات.
السياسة الداخلية
وقال الخبير التركي إنه يمكن النظر في إعادة هيكلة السياسة الداخلية، والتي تؤثر أيضا على إدارة السياسة الخارجية، في خمسة عناوين.
أولها، “كسر الوصاية العسكرية إلى حد كبير”، موضحا أن “نزول الملايين من الناس من جميع أنحاء البلاد للشوارع المؤيد منهم وغير المؤيد للحكومة، ضد محاولة الانقلاب، ساهم في جعل القيام بمحاولات انقلاب جديدة أمرا صعبا”.
اقرأ أيضا: أردوغان: أحبطنا الانقلاب بنضالنا المجيد
وثانيها “انتهاء الوصاية البيروقراطية بشكل عام، ولم يشمل ذلك فقط مؤسسات الجيش، بل أيضا الهيئات البيروقراطية الأخرى، وتم إنهاء عناصر غولن التي تسللت إليها، وإنشاء مؤسسات بيروقراطية تنتمي لخدمة الأمة التركية بالمعنى الحقيقي”.
وأضاف أنه “بدأت عمليت تطبيع شاملة في البلاد، أعيد فيها تعريف هوية الدولة، ووطدت العلاقة بين مؤسسات الدولة والشعب، فيما بدأت القوات التركية باتخاذ التدابير اللازمة ضد التهديدات الخارجية ويعد التنفيذ الناجح لعدد كبير من العمليات العسكرية التي تستهدف “المنظمات الإرهابية” وحماية المصالح الوطنية مؤشرا هاما على ذلك”.
وأشار إلى أن “منظمة الاستخبارات بدأت في العمل أكثر على نطاق دولي. وبعد 15 تموز/ يوليو انخفضت احتمالية تدخل العناصر الأجنبية والدول الأخرى في السياسة الداخلية بشكل كبير. ومن الممكن القول إن عصر الانقلابات العسكرية المدعومة من الخارج قد انتهى”.
أما ثالثها وفق الخبير ذاته، “انتقال تركيا من النظام البرلماني الهش والقابل للتدخل، إلى النظام الرئاسي، ووفقا لذلك، يمكن للجهات الفاعلة السياسية التي تحصل على 50 بالمئة على الأقل من الأصوات الوصول إلى السلطة، وأصبح تمثيل أكبر للسلطة التنفيذية وأكثر فاعلية”، بحسب تقديره.
وأكد أن فشل الانقلال “أظهر للأحزاب الأخرى أن عزل السياسي المنتخب للشعب يعني تدمير إرادته، ولن يسمح الشعب بذلك”.
وقال إنه “مع تحقيق الاستقرار السياسي، ظهرت قيادة سياسية أقوى، ما أتاح فرصة لاتخاذ خطوات أكثر فعالية في السياسة الخارجية. وتمكن الرئيس التركي بتحييد النزاعات الداخلية، وجلس على الطاولة بقوة أكبر مع الدول الأخرى”.
وأفاد رابعا: “بعد 15 تموز/ يوليو كانت هناك تطورات هائلة في صناعة الدفاع، والتي أصبحت أداة لمتابعة سياسة خارجية فعالة. وتمكنت تركيا من التغلب على مشاكلها الأمنية بوسائلها الخاصة، من خلال إنتاج واستخدام المنتجات الوطنية في مجال صناعة الدفاع، وأصبحت فاعلا رفع مكانتها في النظام الدولي من خلال تصدير المنتجات الدفاعية، كما أنها تمكنت من التحول لقوة ردع في محيطها”.
أما خامسا وأخيرا: “مع تأميم وتنويع الجهات الفاعلة العاملة في مجال السياسة الخارجية، أصبحت السياسة الخارجية أكثر استقلالية وتمركزا في أنقرة. وأصبح الشعب التركي الذي نمى لديه الانتماء لدولته أكثر من أي وقت مضى، أكثر حساسية للقضايا السياسية الخارجية والانخراط بها”.
وقال: “أصبحت تركيا دولة يمكنها اتخاذ زمام المبادرة في العلاقات الدولية من خلال زيادة قدرة وزارة الشؤون الخارجية وإنشاء مؤسسات جديدة، وعلى سبيل المثال في مناطق الأزمات مثل سوريا والعراق وليبيا وأذربيجان والصومال وقطر وأوكرانيا لعبت وزارة الخارجية والقوات التركية ووكالة الاستخبارات أدوارا مؤثرة”.
من ناحية أخرى، “بدأت العديد من المنظمات التي تمثل القوة الناعمة لتركيا، مثل “تيكا” ، ورئاسة شؤون أتراك المهجر والمجتمعات ذات القربى (YTB)، وإدارة الكوارث والطوارئ “أفاد” “ومعارف”، وهيئة الشؤون الدينية، في المساهمة في رفع مستوى العمل التركي، من خلال تنفيذ الأنشطة في مجالات عدة لاسيما الإنسانية والتنموية والتعليم في دول عدة، ما ساهم ذلك في زيادة التنوع في السياسة الخارجية”.
السياسة الخارجية
وأكدت المجلة التركية ذاتها، أنه كانت هناك زيادة كبيرة في تأثير الجهات الفاعلة في السياسة الخارجية منذ الانقلاب الفاشل، وبدأت تركيا في إقامة علاقات مع الدول كافة على مبدأ المساواة في عملية تعظيم مصالحها الوطنية.
ونقلت عن خبيرها أنه من الممكن حصر تلك الجهود تحت ستة عناوين.
أولها أن “تركيا بدأت عملية جديدة مع إمكانيات جديدة قائمة على تطوير صناعة الدفاع المحلية والوطنية، وفقا لاستراتيجية جديدة قائمة على مكافحة الإرهاب من خلال التخلي عن الموقف الدفاعي و”ننتظر لنرى” واتخاذ تدابير وقائية ضد التهديدات الخارجية لأمنها القومي. وكان لذلك تأثير على “المنظمات الإرهابية” في الداخل والخارج”.
وثانيا: “بدأت تركيا في اتخاذ مبادراتها الخاصة في الأزمات الإقليمية، وعرضت نفسها بصفتها لاعبا إقليميا يغير قواعد اللعبة في المنطقة”.
بالإضافة إلى ذلك، “طورت تركيا مشاريعها الإقليمية الخاصة بموقف استباقي، من خلال التدخل بقوة في بعض مناطق الأزمات، والقيام بعمليات عسكرية عند الضرورة، كما هو الحال في ليبيا وقطر وقره باغ وسوريا”.
وأضاف أن تركيا “تمكنت من تغيير المسار في العديد من مناطق الأزمات الإقليمية، وعلى وجه الخصوص قدمت الدعم العسكري للحكومة الشرعية في ليبيا، وحققت الانتصار ضد الجنرال الحفتر، الذي كان مدعوما من جهات فاعلة دولية وإقليمية”.
كما أنها تمكنت في إنشاء منصات فاعلة لحل المشاكل وقدمت المساعدات الإنسانية والتنموية، وسعت إلى التوسط بين أطراف لجنة الانتخابات المركزية.
وثالثا: “استمرت تركيا في اتباع سياسة شمولية غير طائفية، وحاولت البقاء في حوار مع جميع الجهات الفاعلة الإقليمية والمساهمة في ضمان الاستقرار الإقليمي. وكشرط لهذه السياسة، كان عليها أيضا معارضة التطورات والجهات الفاعلة التي كان لها تأثير مزعزع على الاستقرار الإقليمي، مثل التوسع الإيراني وسياسة الاحتلال الإسرائيلي”.
وقال: “انتهجت تركيا سياسة خارجية متعددة الأبعاد وشاملة، لا تغطي القضايا الأمنية والعسكرية فحسب، بل تشمل أيضا المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وعلى سبيل المثال تحاول تركيا التي تجري حوارا مع جميع شرائح العراق تقريبا، مثل الشيعة والسنة والأكراد والتركمان، مساعدة العراق على إنشاء نظام سياسي مستقل عن التأثيرات الخارجية (إيران أو الولايات المتحدة)”.
أما رابعا: “وضعت تركيا استراتيجية جديدة تهدف إلى اتباع سياسة أكثر استقلالية وتحقيق مكانة أعلى على نطاق عالمي، وبناء على ذلك لم تعد إلى حد كبير دولة يتم التدخل في شؤونها الداخلية، واتبعت سياسة متوازنة بين الجهات الفاعلة العالمية وفقا لمصالحها الخاصة”.
وخامسا: “تركيا التي عبرت عن التحولات في النظام الدولي، بدأت بعد 15 تموز/ يوليو تطوير معارضة للنظام العالمي، ودعا أردوغان الذي أكد أن “العالم أكبر من خمسة” يدعو الجعات الفاعلة الإقليمية والعالمية إلى عدم الانخراط سياسة الأمر الواقع” بالنسبة لدول الفيتو في مجلس الأمن.
وبينما تقول تركيا إن النظام المتمركز حول الغرب اليوم مسدود الآن، ولا يمكن للأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة حل المشكلات العالمية لاسيما فلسطين وكشمير وقره باغ وسوريا وأفغانستان والروهينغا، حيث يتركز فيها المسلمون، فإنها تدعم نضال المناطق والدول غير الغربية مثل أفريقيا، للحصول على حصة أكبر تستحقها من النظام العالمي.
سادسا وأخيرا: “من أجل تحقيق هذه الأهداف، سارعت تركيا بتوسعات جديدة في سياستها الخارجية في الفترة التي تلت 15 تموز/ يوليو. وتركيا التي تريد التحرك نحو المناطق غير الغربية من خلال الحفاظ على المستوى الحلي للعلاقات مع الدول الغربية حاولت تحسين علاقاتها مع كافة دول العالم”.
وعلى سبيل المثال، أصبحت تركيا خامس دولة في العالم لديها أكبر عدد من التمثيلات الأجنبية (إجمالي 253 تمثيلا أجنبيا)، وبدأت مؤسساتها الحكومية والمدنية تعمل على نطاق عالمي. وتساهم المنظمات غير الحكومية التركية في القوة الناعمة للدولة من خلال المساعدة الإنسانية والتنموية الفعالة في جميع أنحاء العالم.
وبالمثل، في مجال القوة غير الناعمة، اكتسب ممثلون مثل شركة “بايكار” شهرة عالمية، حيث ترغب العديد من الدول في الغرب والشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا الحصول على الطائرات المسيرة التي تنتجها الشركة.