عربي
من 2012 إلى 2022.. 3 حروب بدأتها إسرائيل بالاغتيالات “الغادرة”
وكانت أبرز جرائم الاغتيال الإسرائيلية خلال السنوات العشر الماضية وشكلت “بوابة حرب”؛ جريمة اغتيال القائد البارز في كتائب عز الدين القسام الذراع العسكرية لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) أحمد الجعبري عام 2012، تبعتها جريمة اغتيال القائد البارز في سرايا القدس الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي بهاء أبو العطا عام 2019، وصولا إلى الاغتيال الأخير لخليفة “أبو العطا” في قيادة سرايا القدس الشهيد تيسير الجعبري.
معركة حجارة السجيل
اغتالت إسرائيل في 14 نوفمبر/تشرين الثاني عام 2012 أحمد الجعبري، القائد البارز في كتائب القسام و”الرجل الثاني” فيها بعد قائدها العام محمد الضيف. وكانت الأوساط الأمنية والعسكرية الإسرائيلية تصف الجعبري بأنه “قائد أركان حماس”، لدوره اللافت في تطوير الأداء والترسانة العسكرية للحركة.
وحتى قبيل اغتياله، كان الجعبري، المولود في غزة عام 1960، من أبرز المطلوبين على “قوائم التصفية والاغتيال” من جانب إسرائيل، وزاد التحريض ضده لدوره المركزي في إدارة ملف الجندي الإسرائيلي الأسير جلعاد شاليط، وإشرافه المباشر على صفقة تبادل الأسرى عام 2011.
وشكّل اغتيال الجعبري “صدمة كبيرة” باستهدافه بشكل مباغت ومن دون مقدمات. واخترقت بذلك إسرائيل تهدئة كانت سارية في غزة في ذلك الحين، عندما قصفت سيارته بعدة صواريخ أسفرت عن استشهاده ومرافقه على الفور.
ولحجم خسارة قائد بحجمه، لم تتردد حماس في الرد بقوة على جريمة الاغتيال، فاندلعت حرب استمرت 8 أيام أطلقت عليها الحركة “معركة حجارة السجيل”، في حين سمتها إسرائيل “عامود السحاب”. وأسفرت عن استشهاد 175 فلسطينيا. وفي حين لم تعلن إسرائيل رسميا عن عدد قتلاها، أعلنت وسائل إعلامها في ذلك الوقت عن سقوط 6 قتلى و240 جريحا.
وجاءت عملية اغتيال الجعبري تنفيذا لقرار اتخذته “اللجنة الوزارية المصغرة للشؤون الأمنية الإسرائيلية”، ووفق ناطق باسم جيش الاحتلال فإن اغتياله تم بالتنسيق مع وكالة الأمن الإسرائيلية وبناء على معلومات وصفها بأنها “استخباراتية دقيقة”.
وكان الجعبري نجا منذ عام 2004 من عمليات عدة لاختطافه أو اغتياله. ووفقا لمعلومات نشرتها كتائب القسام على موقعها الرسمي، فقد استشهد نجله البكر “محمد” وعدد من أقاربه خلال محاولات إسرائيلية فاشلة لاغتياله.
وبدأ الجعبري نشاطه المقاوم مبكرا في صفوف حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، واعتقل لنحو 13 عاما في سجون الاحتلال، تحول خلالها للنشاط في صفوف حركة حماس قبل تحرره عام 1995، وقد أصبح بعد سنوات قليلة أحد 3 قادة في “المجلس العسكري” لكتائب القسام، وترك بصمات واضحة جعلت من الكتائب أشبه بـ”جيش نظامي”.
معركة صيحة الفجر
7 سنوات مرت على اغتيال الجعبري، قبل أن تعاود إسرائيل “كسر قواعد الاشتباك” وتخترق حالة التهدئة في غزة، بإقدامها المباغت على اغتيال بهاء أبو العطا قائد المنطقة الشمالية في سرايا القدس، الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي في غزة.
حيث استيقظت غزة صباح 12 نوفمبر/تشرين الثاني عام 2019 على دوي انفجار لطائرة إسرائيلية مسيّرة، استهدفت أبو العطا في شقته السكنية بحي الشجاعية شرقي مدينة غزة، أدى إلى استشهاده وزوجته.
نصف ساعة فقط مرت على جريمة الاغتيال، قبل أن تتخذ حركة الجهاد الإسلامي قرارها بالرد في عملية استمرت بضعة أيام سمّتها “معركة صيحة الفجر”، وأطلقت خلالها مئات الصواريخ على مواقع وبلدات إسرائيلية.
وفي حين تكتمت إسرائيل على خسائرها جراء صواريخ المقاومة، فإن غاراتها الجوية أسفرت في ذلك الحين عن استشهاد 34 فلسطينيا، وجرح أكثر من 100 آخرين، بينهم نشطاء في سرايا القدس، وأعداد كبيرة من المدنيين.
وكانت إسرائيل تتهم أبو العطا، وهو من مواليد غزة عام 1977، بالمسؤولية المباشرة عن شن هجمات ضد أهداف إسرائيلية.
ووفق حركة الجهاد الإسلامي، فإن أبو العطا كان قد التحق بصفوفها عام 1990، وتدرج في العمل التنظيمي حتى أصبح قائد المنطقة الشمالية في ذراعها العسكرية بغزة، وكان يشرف بنفسه على المشاركة العسكرية في التصدي للاحتلال في حروبه وجولات التصعيد المتكررة على القطاع.
وأخفقت إسرائيل باغتيال أبو العطا في 3 مرات سابقة، كانت آخرها خلال الحرب الثالثة التي شنتها على غزة عام 2014.
شرارة حرب جديدة
وعقب اغتيال أبو العطا، خلفه مساعده تيسير الجعبري في قيادة “لواء الشمال” بسرايا القدس، إلى أن تمكنت إسرائيل بعد ظهر أمس الجمعة من اغتياله في عملية مشابهة، إذ تشير التقديرات إلى أن طائرة مسيّرة استهدفته داخل شقة سكنية في “برج فلسطين” بحي الرمال في مدينة غزة، وقد استشهد على الفور برفقة أحد مرافقيه.
وجاءت عملية الاغتيال هذه المرة في ظل جهود تبذلها مصر لمنع تدهور الأوضاع إثر إقدام إسرائيل على اعتقال القيادي البارز في حركة الجهاد الإسلامي في جنين بالضفة الغربية بسام السعدي.
وتيسير الجعبري من مواليد غزة عام 1972، وهو من عائلة الشهيد أحمد الجعبري، التي يعرف عنها الانخراط في نشاطات المقاومة خاصة في أوساط حركتي حماس والجهاد الإسلامي. وقد استشهد عدد من أفرادها في عمليات اغتيال مباشرة وفي حروب وجولات تصعيد إسرائيلية على غزة.
ونجا تيسير الجعبري من محاولات إسرائيلية عدة لاغتياله، كانت أبرزها في عامي 2012 و2014.
وعلى ما يبدو، شكّل اغتيال تيسير الجعبري -في عملية مارس الاحتلال خلالها “تضليلا كبيرا” وفق وصف محللين عسكريين إسرائيليين- الشرارة لنيران طويلة ستتلقاها غزة في الأيام القادمة.
“الأداة الأقل جدوى”
وتحت عنوان ” الاغتيالات.. الأداة الأقل جدوى والأكثر استخداما”، توثق ورقة للمركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار) تاريخ عمليات التصفية لقيادات ونشطاء فلسطينيين.
وتقول الورقة إن إسرائيل درجت على استخدام كلمة “اغتيال” لوصف عملية التصفية الجسدية التي تستهدف قادة ومقاتلين فلسطينيين وعربا تتهمهم بالنشاط ضدها. وبقي هذا الاسم متداولا حتى العام 2000؛ حيث قدم إلياكيم روبنشتاين القاضي في المحكمة العليا الإسرائيلية الاسم “الأقل إجحافا” بحق إسرائيل وفق وصفه، وهو “إحباط موضعي”، وقد أصبح هذا التعريف (المحايد) معتمدا لدى يوفال ديسكين نائب رئيس الشاباك في ذلك الوقت، والذي يعد مهندس هذا الأسلوب في مواجهة الانتفاضة الثانية خاصة، ثم تبناه الإعلام والدوائر الرسمية الإسرائيلية.
وتؤرّخ الورقة بداية سياسة الاغتيالات التي يتم فيها استهداف شخص معين محدد الهوية، يتم اختياره بهدف تصفيته بقرار رسمي، حيث بدأت تلك السياسة عام 1972 حين قررت رئيسة حكومة إسرائيل غولدا مائير ملاحقة واغتيال منفذي عملية ميونخ التي استهدفت رياضيين إسرائيليين كانوا يشاركون في الألعاب الأولمبية بألمانيا.
وتوالت بعدها عمليات الاغتيال والتصفية وطالت أدباء مثل غسان كنفاني وقادة أمنيين مثل أبو علي حسن سلامة وأمناء عامين مثل فتحي الشقاقي وعباس موسوي ومفكرين وقادة سياسيين. وصولا إلى اغتيال الأمين العام للجبهة الشعبية أبو علي مصطفى بقصف مكتبه برام الله عام 2001، واغتيال مؤسس الجناح العسكري لحماس صلاح شحادة بقصف جوي لمنزله في يوليو/تموز 2002، ومؤسس حركة حماس الشيخ أحمد ياسين عام 2004، ثم اغتيال القيادي البارز عبد العزيز الرنتيسي، وقبلهم وبعدهم المئات من القادة والنشطاء الفلسطينيين.
نتائج عكسية
وتنقل وكالة “قدس برس” للأنباء، أنه خلال 71 عاما، نفذ الإسرائيليون أكثر من 2700 عملية اغتيال (بمعدل 38 عملية سنويا) داخل وخارج الأراضي الفلسطينية المحتلة، وفق الكاتب والخبير الإسرائيلي رونين برغمان، في مقابلة مع موقع “تايم أوف إسرائيل”، نُشرت في 30 يناير/كانون الثاني 2018. وفي أغلب الأحيان، لا يعترف الاحتلال الإسرائيلي رسميا بمسؤوليته عن الاغتيالات خارج الحدود.