دولي
قضية تهز أركان وول ستريت.. اعتقال مدير صندوق تحوط تلاعب في عملة هذه الدولة
بالتفاصيل.. هكذا يتم التلاعب في أسعار صرف عملات الدول الناشئة.
قبل انتصاف ليلة رأس السنة لعام 2017، وفيما توجه العديد من التجار في سوق لندن إلى النوم ممتلئ البطون، كان المؤسس المشارك لشركة جلين بوينت Glen Point Capital، نيل فيليبس، يرتب لصيد ثمين بقيمة 20 مليون دولار، عبر تغيير سعر صرف الراند الجنوب إفريقي أمام الدولار.
أراد فيليبس، 52 عاماً، المخضرم المالي المدعوم من الملياردير جورج سوروس، دفع سعر الصرف بين الدولار الأميركي والراند الجنوب إفريقي إلى أقل من 12.50 حتى يتمكن من تحقيق عائد بقيمة 20 مليون دولار من رهانه على عقود خيارات على العملة، وفقاً للائحة الاتهام الأميركية التي تم الكشف عنها الأسبوع الماضي. إذ أرسل التعليمات إلى موظف في نومورا هولدينغز في سنغافورة، والتي تعد أحد المحاور العالمية القليلة التي بدأت عملها في تلك الساعات مع شروق الشمس وعودة التجار إلى مكاتبهم.
وكتب فيليبس في تمام الساعة 12:09 صباحاً: “هدفي هو التداول عند مستوى الـ 50″، وكرر طلبه يجب أن يذهب السعر إلى 12.50.
وسرعان ما قام الموظف في نومورا – والذي أُطلق عليه اسم Bank-3 في لائحة الاتهام، بترتيب العديد من الصفقات نيابة عن فيليبس لدرجة أن المدعين قالوا إن المعاملات دفعت السعر إلى المكان الذي يريده.
ورغم كونها جلسة تداول صاخبة في ليلة عيد الميلاد تلك، إلا أن تفاصيل التلاعب والتحقيق في التداولات والذي أدى في النهاية إلى اعتقال فيليبس في إسبانيا هذا الأسبوع بناءً على طلب السلطات الأميركية – إذ اتهم المدعون الفيدراليون في نيويورك مدير الأموال ذو العلاقات الجيدة بتهم متعددة بالاحتيال – مما أرسل موجات صادمة عبر مشهد التداول الكلي في وول ستريت.
وفي الصناعة، أحيت الحادثة ذكريات كيف قامت شركات وول ستريت والتي تنفذ تداولات يومية بقيمة 6.6 تريليون دولار في سوق العملات لسنوات بتحريك أسعار الصرف، وأثارت تساؤلات حول كيفية تنفيذ التداولات المزعومة في المقام الأول.
من جانبها، قالت الخبيرة الاقتصادية التي شاركت في رئاسة ممارسات مكافحة الاحتكار لمجموعة Brattle، روزا أبرانتيس ميتز، والتي درّست لأكثر من عقد في كلية ستيرن للأعمال بجامعة نيويورك: “هذا النوع من السلوك يحدث للأسف أكثر مما نود رؤيته”. وقالت إنه مع ذلك، ربما يكون فيليبس قادراً على تقديم دفاعات، وربما يجادل بأنه كان يقوم بصفقات عدائية، ولكنها ليست غير قانونية. قالت: “إثبات التلاعب بالسوق صعب للغاية”.
بينما يُزعم أن شركة Glen Point حققت 16 مليون دولار من الصفقات، فقد حصلت شركة سوروس الاستثمارية – Soros Fund Management – على 4 ملايين دولار، وفقاً لملفات قانونية وأشخاص على دراية بالموضوع. وساعد فيليبس في الإشراف على أموال المستثمر الملياردير من خلال ما يسمى الحساب المُدار، وليس هناك ما يشير إلى ارتكاب سوروس أي مخالفات.
عملة متقلبة
قضى فيليبس عقوداً في بعض أكبر الشركات في وول ستريت، حيث عمل في مورغان ستانلي، وليمان براذرز في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين قبل الانضمام إلى BlueBay Asset Management. وركز على ما يسمى بالتداول الكلي، حيث يحاول المستثمرون الاستفادة من الاتجاهات الاقتصادية العالمية من خلال المراهنة على أسعار الفائدة والعملات، واستمر في إدارة صندوق تحوط كلي مستقل بقيمة 1.4 مليار دولار في شركة مقرها لندن.
ويركز متداولو “الماكرو” بشكل أساسي على جنوب إفريقيا، أحد أكبر الاقتصادات في القارة والمكان الذي يمكن أن تؤدي فيه السياسات المتقلبة والفضائح إلى تأرجح الأسعار. كما يعد الراند، خامس أكثر العملات المتداولة في الأسواق الناشئة في العالم، حيث بلغ متوسط حجم التداول اليومي في الأسواق العالمية 72 مليار دولار في عام 2019، وهو آخر عام تتوفر عنه بيانات كاملة، وفقاً لبنك التسويات الدولية. وهذا يتساوى مع الروبل الروسي وأكثر نشاطا من الريال البرازيلي والليرة تركيا.
أغلق BlueBay صندوق فيليبس في عام 2014 عندما غادر لإطلاق مشروعه الخاص. أسس شركة Glen Point في العام التالي مع زميله جوناثان فايمان وجمعوا ما يقرب من ملياري دولار من مستثمرين من بينهم سوروس. لكن الصندوق الجديد عانى في عام 2016 وخسر أموالاً، وفقاً لوثائق حصلت عليها بلومبرغ، واطلعت عليها “العربية.نت”.
تفاصيل عملية الاحتيال
قدمت جنوب إفريقيا فرصة للانتعاش في عام 2017 حيث استعد حزب المؤتمر الوطني الإفريقي الحاكم لاختيار زعيم جديد. وتوقع فيليبس أن الراند سوف يرتفع بشكل كبير مقابل الدولار نتيجة انتخابات ديسمبر، والتي ألقت صديق المستثمرين سيريل رامافوزا ضد نكوسازانا دلاميني زوما، الزوجة السابقة لرئيس البلاد المحاصر في ذلك الوقت، جاكوب زوما.
وللقيام برهانه، اشترى فيليبس ما يسمى بخيار العملات الأجنبية، وهو مشتق معقد. إذا انخفض الدولار إلى أقل من 12.50 راند بحلول 2 يناير 2018، فإن العقد سيدفع 20 مليون دولار.
وجاءت التوقعات كما رتب لها فيليبس، إذ تم الإعلان عن رامافوزا كزعيم جديد لحزب المؤتمر الوطني الإفريقي قبل حوالي أسبوع من عيد الميلاد، مما جعله في طريقه ليكون الرئيس القادم للبلاد. وارتفع الراند إلى أعلى مستوى في عامين – ومع ذلك لم يتجاوز عتبة 12.50 التي يحتاجها فيليبس. وأشار المدعون إلى أن خياره على وشك الانتهاء.
وفي وقت متأخر من ليلة عيد الميلاد، كتب المدعون في لائحة الاتهام، أرسل فيليبس سلسلة من الرسائل إلى البنك: بيع الدولار مقابل الراند حتى ينخفض السعر إلى أقل من 12.50. “أحتاجها للتداول عند الـ 50″، كرر مرة أخرى في الساعة 12:25 صباحاً.
وبحلول الساعة 12:31 صباحاً، باع فيليبس 415 مليون دولار وكان السعر 12.505. وفقاً للائحة الاتهام، سأل موظف نومورا: “كم تحتاج لكسر الخمسين؟” وجاء الرد “200 مليون أخرى على الأقل”. وفي الساعة 12:44 صباحاً، مع وصول إجمالي قيمة المبيعات إلى 725 مليون دولار، انخفض السعر أخيراً إلى ما دون 12.50. وبعد عدة دقائق، كان المعدل 12.4975.
ارتفاع كبير
ارتفع صندوق Glen Point Global Macro بنسبة 6% في ديسمبر 2017، وهو أحد أقوى عروضه الشهرية، وساهم في تحقيق عائد بنسبة 22% لهذا العام.
وبالعودة إلى لندن، كانت المعاملات تجذب الانتباه داخل نومورا. وقالت مصادر لوكالة “بلومبرغ”، إن الحجم كان غير عادي حتى في يوم حافل ولم يسمع به في الساعات الأولى من يوم 26 ديسمبر. وتفاجأ التجار هناك، وبدأ مسؤولو الامتثال في فحص ما حدث، على حد قول الناس.
وفي النهاية، رفعت الولايات المتحدة قضية، حيث تعهد المسؤولون في بيان بأنهم سيتعقبون التلاعب بالأسواق المالية العالمية بغض النظر عن مكان حدوثه.
من جانبه، قال مؤسس Dynamic Beta Investments، أندرو بير، ومقرها نيويورك: “كم هو غريب تماماً أن المدعين الأميركيين يطاردون صندوق تحوط في لندن للتلاعب بعملة إفريقية في سنغافورة”. “قد يكون العصر الذهبي للتنظيم على عاتقنا”.
وتظهر الوثائق أن جلين بوينت لن يكرر مثل هذا الأداء السنوي القوي. في ديسمبر 2021، وافق فيليبس على بيع صندوق التحوط لشركة Eisler Capital. وبموجب الصفقة المقترحة، سيواصل فيليبس الإشراف على استراتيجياته القديمة وأيضاً إدارة الأموال لصالح Eisler. وفي بيان صدر في ذلك الوقت، قال إنه يتطلع إلى “الاستفادة من جميع مزايا الانضمام إلى شركة أكبر”.
لكن الاتفاق انهار في فبراير، وأكد متحدث باسم Eisler Capital أن فيليبس لم ينضم أبداً إلى الشركة وامتنع عن التعليق.